رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نشر موقع «انفورميشن كليرنج هاوس» في 23 يوليو مقالاً مطولاً لكاتبه الشهير بيبي اسكوبار عنوانه: «الانفجار الأوراسي الكبير.. كيف تحيط الصين وروسيا بسياج حول واشنطن» وننقل هذا المقال المهم لقارئ الوفد على حلقتين نظراً لأهميته الفائقة في توضيح ما يدور في العالم، وكلمة الانفجار الأوراسي الواردة في العنوان تشير الى أوراسيا ومعناها أوروبا وآسيا، يقول اسكوبار:

فلنبدأ بالانفجار السياسي الكبير الذي لا تعرف أنت شيئاً عنه، وهو الانفجار الذي وقع منذ اسبوعين فقط، وها هى نتائجه: من الآن فصاعداً فإن أي هجوم على ايران تهدد به أمريكا مع حلف الناتو سيكون بالضرورة هجوماً على مخطط متشابك لعدة منظمات فدول البريكس هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، ودول منظمة تعاون شنغهاي، ودول الاتحاد الاقتصادي الاوراسي، ودول بنك الاستثمار في البنية التحتية الذي انشأته الصين حديثاً، وبنك التنمية الحديث الذي أنشأته دول البريكس كل هذه التجمعات تمثل نظاماً جديداً صاعداً في أوراسيا.

فقد أنشأت ايران والصين وروسيا وباكستان والهند نظام ضمانات امنية، وفي نفس الوقت كشفت خدعة حلف الاطلنطي الذي طالما ظل يصرخ ضد ما سماه «برنامج ايران النووي»، وقبل أيام من مفاوضات فيينا النووية التي انتهت باتفاق كل ذلك تزامن مع مؤتمر قمة في مدينة أوفا الروسية ضم دول بركس ودول منظمة تعاون شنغهاي، وهو مؤتمر لم يهتم به الاعلام الغربي، ومع هذا فإن هذه التطورات ستضمن أن حزب الحرب في امريكا ومجموعة المحافظين الجدد الذين يعانون من ضيق التنفس بسبب الاتفاق الاخير مع ايران سيتصببون عرقاً قطراته من رصاص بسبب ما يرونه من انهيار لنظامهم الدولي.

 

طريق الحرير الأوراسي:

ان اتفاقية فيينا أسعدني تتبع خطواتها وأنا أرى وزير خارجية ايران وطاقمه الدبلوماسي ينتزعون اتفاقاً شبه مستحيل من قبعة احد الحواة، فهو اتفاق قد ينهي العقوبات على ايران التي فرضتها ظروف نزاع مفتعل، فلنفكر في هذا الاجتماع في مدينة أوفا الروسية الذي كان سبب اتفاق فيينا الذي طال انتظاره، فقد ابرز الديناميكية الجديدة لقارة أوراسيا وأعلن مستقبل الانفجار الجيوسياسي الضخم، ففي أوفا من 8 الى 10 يوليو عقد الاجتماع السابع لدول البريكس والاجتماع الخامس عشر لدول منظمة تعاون شنغهاي فينفس الوقت، وتزامن ذلك اتفاقية فيينا بين الغرب وايران التي طال تعثرها.

كانت «ضربة معلم» من بوتين رئيس روسيا الذي دمج مؤتمر القمة مع اجتماع غير رسمي لدول الاتحاد الاقتصادي الاوراسي، فلنسمه اعلان حرب مخففاً على منطق امريكا الاستعماري فهو يبرز عرض وعمق شراكة استراتيجية صاعدة بين روسيا والصين، فجمع كل رؤساء الدول هؤلاء في اجتماع تحت سقف واحد اعطى روسيا فرصة رؤية قيام صرح جيوسياسي متماسك مركزه أوراسيا، وهنا تبرز أهمية ايران فمهما يحدث بعد اتفاقية فيينا ستظل ايران معبرا حيوياً في هذا الصرح الأوراسي.

إذا قرأنا الاعلان الصادر عن دول البركس بعد المؤتمر فإن فقرة مهمة تشد انتباهنا فقد خلا الاعلان تماماً من أي ذكر لدول الاتحاد الأوروبي، ولم يكن ذلك سهواً، فمن وجهة نظر قادة دول البركس الرئيسية فانهم يقدمون سياسة جديدة لدول أوراسيا عكس سياسة العقوبات الغربية تماما، وها هى بعض أمثلة النشاط المحموم الذي تم في أوفا والذي تجاهله الاعلام الامريكي تماما، فخلال اجتماعاتهم تصرف رؤساء روسيا والصين والهند بطريقة عملية للترويج لما هو أساساً رؤية صينية لأوراسيا مستقبلة مترابطة عن طريق شبكة طريق الحرير الجديد، ووافق رئيس الهند على مزيد من الاستثمارات الصينية في بلده، كما تعهد الطرفان بحل مشاكل الحدود بينهما التي خيمت على علاقاتهما، وكانت سبباً في الماضي مرة في اندلاع حرب بينهما، وكانت استجابة دول بركس لمشروع بنك التنمية الجديد هى رصد خمسين مليار دولار كرأسمال افتتاحي له، وتركيزه على مشروعات بنية تحتية لدول بركس، ويستطيع البنك رفع رأسماله الى أربعمائة مليار دولار كما قال رئيسه كوندابور فامان، وسيركز البنك مستقبلاً على تمويل مشروعات في دول نامية اخرى في جنوب العالم مستخدماً عملاتهم الوطنية مما يعني تجاهل استخدام الدولار الأمريكي، واذا راعينا ان الدول الاعضاء في البنك كلها مرتبطة بطريق الحرير الجديد ادركنا اهمية دور الصين، وكما أكد لوشيانو كوتينو رئيس بنك التنمية البرازيلي فان في المستقبل القريب قد يساعد البنك دولا أوروبية من غير اعضاء الاتحاد الاوروبي مثل الصرب ومقدونيا، وواضح من ذلك أن البنك الاوراسي يحاول كسر الاحتكار الغربي في بروكسل على كل اوروبا، وقد أضاف فامان رئيس البنك أن البنك قد يساعد مستقبلاً في عملية اعادة اعمار سوريا.

لن يدهشنا ان نعلم ان كلا من البنك الآسيوي الجديد للاستثمار في البنية التحتية والبنك الجديد للتنمية مركزهما الرئيسي في الصين وسيعملان على تكامل نشاطهما، وفي نفس الوقت فإن اداة روسيا للاستثمار الاجنبي «صندوق الاستثمار المباشر» قد وقع مذكرات تفاهم مع الصناديق المماثلة بدول بركس وبذلك بدأ اتحاد استثمار غير رسمي يشترك فيه صندوق طريق الصين الحريري وشركة الهند لتنمية البنية التحتية كشريكين رئيسيين.

سيطرة كاملة على النقل:

على المستوي الاساسي يجب اعتبار ذلك كجزء من لعبة كبرى في أوراسيا فرعها الجانبي اتفاقية شراكة عبر المحيط الهادي واتفاقية شراكة الأطلسي للتجارة والاستثمار تحاول امريكا تدعيم سيطرتها على العالم من خلالهما اقتصادياً، والسؤال الذي تثيره هذه الخطط المتعارضة هو كيف يمكن توفيق التجارة ودمجها في هذه المنطقة الشاسعة فمن وجهة نظر الصين وروسيا يمكن دمج اوراسيا عن طريق شبكة طرق ضخمة وسكك حديد فائقة لسرعة وموانئ ومطارات وخطوط انابيب وكابلات مواصلات، فطريق الحرير الجديد مقصود به خلق صورة اقتصادية متكاملة في الارض والبحر والجو تواجه محاولة امريكا السيطرة على العالم، وقد نجح الصينيون في وضع الأساس عبر أوراسيا، وقد عادت الصين لمعدل نمو سنوي 7٪ في النصف الثاني من سنة 2015 بعد جزع شديد اصاب سوق الأوراق المالية، وبسبب ارتفاع تكلفة العمالة تم نقل وحدات الانتاج من الساحل الشرقي الى مناطق غرب الصين الأرخص، وسيكتمل طريق الحرير بتسهيل عملية النقل، وفي هذه الأثناء تعمل روسيا على تحديث صناعة الطاقة لديها وتعدد مصادرها، ويأمل قادة روسيا أن طريق الحرير وربط اقتصاد اوراسيا لمجموعة روسيا وأرمينيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقيرغيزيا سيترجم الى مشروعات نقل وانشاء ستكون الخبرة الصناعية الهندسية لروسيا حيوية بالنسبة لها.

وقد بدأ الاتحاد الاقتصادي الأوراسي انشاء مناطق تجارة حرة مع الهند وايران وفيتنام ومصر ودول امريكا اللاتينية «مجموعة ميركوسور المكونة من الارجنتين والبرازيل وباراجواي واورجواي وفينزويلا» وبدأت المراحل الاولية تصل لما بعد اوراسيا وفي هذه الاثناء فإن منظمة شنغهاي للتعاون التي بدأت كواجهة امنية توسع الآن نشاطها الى مجال التعاون الاقتصادي، فدولها وخاصة كازاخستان وقيرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان ستعتمد اكثر فاكثر على بنك التنمية للبنية التحتية الذي تديره الصين وبنك الاستثمار، وقد وقعت كل من الهند وباكستان خلال مؤتمر اوفا اتفاقا يرفع عضويتهما من مراقب الى عضو كامل في منظمة شنغهاي مما يجعلها بديلاً لمجموعة الدول الثماني الغربية.

في هذه الاثناء فبالنسبة لأفغانستان فقد ناشدت دول بيركس ومنظمة شنغهاي قوى المعارضة المسلحة في أفغانستان نزع سلاحها وقبول دستور الدولة وفصل علاقتهما مع تنظيم القاعدة وداعش وباقي منظمات الارهاب، ومعنى ذلك أنه من خلال وحدة وطنية افغانية فان حركة طالبان ستكون مقبولة كجزء من حكومة افغانية قومية، وتأمل دول اوراسيا أن يكون ذلك مقدمة لادماج افغانستان في أوراسيا وامكان فتحها لمزيد من الاستثمارات الصينية والروسية والهندية والايرانية، والبدء في انشاء طريق طوله 1420 كيلومتراً لخط انابيب يصل بين الهند وباكستان وأفغانستان وتركمانستان بتكلفة عشرة مليارات دولار لنقل الغاز لمصلحة الدول المحتاجة للطاقة مثل الهند وباكستان.

ان وسط آسيا حالياً سوق بكر للاستثمار الاقتصادي للصين وروسيا والهند، ولذا لم يكن صدفة زيارة رئيس وزراء الهند لوسط آسيا في طريق لاوفا، وتتطلع كل من روسيا والصين الى استكمال الاندماج عن طريق الحرير وبناء صرح اقتصادي لاوراسيا الكبرى للنمو الاقتصادي والسلام بين الجيران.

ونقف عند هذه الفقرة لنستكمل في المقال التالي هذا العرض التفصيلي الشيق الذي يقدمه اسكوبار لنا.

 

الرئيس الشرفي لحزب الوفد