رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

تحت هذا العنوان نشر الكاتب الصيني قنج زانج في 23 يونيو الماضي مقالا مهماً جداً يوضح أن الصين قد وصلت لدرجة من القوة والثقة بالنفس تتيح لها مواجهة الاستعمار الأمريكي وتحديه علنا في بحر الصين الجنوبي الذي ظل لعقود طويلة بحيرة أمريكية.

يقول زانج إنه في أواخر سنة 2013 بدأت الصين سياسة مختلفة تماما بالنسبة للنزاع علي السيادة في بحر الصين الجنوبي. ورغم ان القليلين خارج الصين لاحظوا هذا التغيير. فبدلا من مواجهة الدول المجاورة ذات المطالب السيادية علي المنطقة بدأت الصين في التعزيز السريع لقوتها البحرية وبناء الجزر الصناعية في المنطقة الخاضعة لسيطرتها وعلي نطاق يتفق مع قدرات الصين الهندسية المبهرة بسرعتها.

ولم يلاحظ معظم العالم الخارجي ذلك إلا أوائل سنة 2015 بعد أن نشرت عدة مراكز أبحاث أمريكية من صور بالأقمار الصناعية تبين التطور غير العادي في سرعة الصين في بناء الجزر الصناعية المتضمنة تسهيلات عسكرية ومطارات يمكن للصين بها تغطية مساحات المياه المتنازع عليها. وقد أقلق هذا دول جنوب شرق آسيا وخاصة فيتنام والفلبين لأن لهما مطالب متعارضة مع الصين في مساحة هذه المياه. ولخشيتهما من أن الجزر الصناعية الصينية تهدد أمنها. وأقلق ذلك أمريكا أيضاً. ففي مايو الماضي أعلنت الحكومة الأمريكية حرية الملاحة في المياه التي تبني فيها الصين الجزر الصناعية، فأرسلت قطع أسطول حربية في المياه التي تسيطر عليها الصين بهذه الجزر الصناعية. وفي أواخر مايو أعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر من سنغافورة ضرورة التوقف الفوري لكل المطالبين بالسيادة في هذه المياه عن طريق بناء جزر صناعية فوقها. وكان يعني الصين طبعا بذلك.

والغريب ان بعد ذلك بأسبوعين أعلنت الصين أنها ستنتهي قريبا من برنامج إنشاء الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي. وعقدت وزارة الخارجية الصينية مؤتمرا صحفيا خاصا للإدلاء بهذا التصريح.

فماذا حدث؟ هل تغير الصين استراتيجيتها في بحر الصين الجنوبي أم تتراجع أمام الضغط الأمريكي؟ ربما كان الأمر كذلك. ولكن النظرة الأدق هي ان الصين تعتقد أنها حققت ما يكفي من بناء الجزر الصناعية في هذه الجولة. وطبقا لما أعلنه كارتر، فالصين بنت أكثر من ألفي فدان من الجزر الصناعية خلال العام ونصف الماضيين. ولم تنكر الصين ذلك علنا. وستكون التسهيلات العسكرية التي تقيمها الصين فوق هذه الجزر الصناعية من مطارات ومواني وفنارات كافية لنطاق واسع من الأهداف المدنية والعسكرية. ولم تنكر الصين أن هذه التسهيلات سيكون لها دفاعات عسكرية ضرورية. وإن كانت لا تركز علي هذا الهدف العسكري من بناء الجزر الصناعية.

الواقع أن سياسة الصين في بحر الصين الجنوبي لم تتغير كثيرا، ستوقف إنشاء جزر صناعية جديدة حاليا. ولكن ستستمر إنشاء التسهيلات علي الجزر التي قامت. ولم تغير الصين مطالبها في هذه المياه في بحر الصين الجنوبي. ورغم ذلك فتصريح وزارة خارجيتها في ذلك المؤتمر الصحفي يحتاج لتفسير لأن هدفه إرسال رسالة دبلوماسية مهمة. فقد تعلمت الصين الدرس من ردود الفعل السلبية لبناء هذه الجزر في بحر الصين الجنوبي. ليس بسبب مخاطر المواجهة العسكرية مع أمريكا في هذه المنطقة. فهذا احتمال ضعيف جدا. ولكن ردود الفعل السلبية من دول الجوار قد تضر أهداف سياستها الخارجية الأهم. خاصة لإدراك الصين أن التوسع في بناء الجزر الصناعية علي المدي الحالي يهدد سياسة بناء طريق الحرير البحري في جنوب شرق آسيا.

فمنذ أوضح الرئيس الصيني جنينج أهداف بناء طريق حرير كحزام اقتصادي يربط وسط آسيا وأوروبا ويمتد فرعه إلي بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي سنة 2013 أصبح هذا المشروع هو الاستراتيجية الكبري التي تضم حاجات الصين الاقتصادية الداخلية مع طموحاتها في مد نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي العالمي. فهذه المنطقة تضم 4٫4 مليار إنسان في 64 دولة وإنتاج اقتصادي إجمالي يبلغ 21 تريليون دولار. أي ضعف إنتاج الصين السنوي أو 29٪ من الإنتاج العالمي. فهذه هي حرفيا دبلوماسية الصين الاقتصادية لتصف العالم في إطار سياسي واحد. وإذا كان ذلك هو فعلا استراتيجية الصين الكبري التي ينبض بها قلب الرئيس جنينج فلا يجب أن يقف أي عائق أمام تحقيقها عالمياً.

المشكلة مع سياسة الصين بالنسبة لبحر الصين الجنوبي أنها تتعارض مع جيرانها وتسيء لعلاقات الصين مع اتحاد دول جنوب شرق آسيا التي يتوقف نجاح مشروع الطريق الحريري البحري عليها. ونتيجة التوتر بين الصين والفلبين سنة 2012 و2013 بسبب التنازع علي جزيرتي سكاربورد وتوماس المغمورتين تحت المياه. والتوتر العنيف مع فيتنام نتيجة وضع الصين لبرج بئر بترولي بالقرب من جزر باراسيل المتنازع عليها في مايو سنة 2013 فإنه علاقة الصين مع الفلبين وفيتنام في أسوأ حالاتها في التاريخ القريب. فبناء الصين للجزر الصناعية يشعر هاتان الدولتان وباقي دول جنوب شرق آسيا عموما بالخطر. نعم فإن دول مجموعة آسيا العشر قد شاركت في بنك الاستثمار الصيني في البنية التحتية معربة عن رغبتهما في الاستفادة من فرض الاقتصادية. ولكن استمرار التوتر في بحر الصين الجنوبي وتصاعد قوة الصين العسكرية في المنطقة سيدفع دولها للنظر للوضع من وجهة جيوبوليتكية وليس من وجهة نظر التعاون الاقتصادي الذي تفضله الصين.

تدرك الصين أن التوتر الزائد في منطقة بحر الصين الجنوبي يدمر مصالح سياستها الخارجية بعيدة المدي. ولكن بمراعاة الطموحات الكبري فإن مشروع جنوب الصين لا يمكن السماح له بالسيطرة علي سياسة الصين الخارجية أو تحويل اتجاهها.

وتعي الصين كذلك بحاجة إضافية عاجلة لسياستها لبحر الصين الجنوبي وهي بقاء المنطقة مستقرة حتي لا تعطي لدول أخري فرص خلق مشاكل في علاقة الصين بدول آسيان. فالصين تخشي قيام حلف ضدها مكون من أمريكا وهذه الدول وربما كذلك اليابان واستراليا والهند في جبهة معارضة لسياسة الصين في بحر الصين الجنوبي. لأن ذلك يدمر الطريق البحري الذي يتعين مروره في بحر الصين الجنوبي وينال تعاون دول آسيان الرئيسية مثل أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة. كما أن يكون تراجعا لمصالح الصين الأمنية في آسيا البحرية وتضييقا علي البدائل المتاحة للصين.

يكون من الغباء الاستراتيجي أن تؤدي سياسة توسع الصين في بناء الجزر الصناعية إلي دفع دول آسيا إلي أحضان أمريكا. والأولوية الأولي لسياسة الصين بالنسبة لبحر الصين الجنوبي حاليا هي منع قيام مثل هذه الحلف المعادي للصين. وتدعيم الاستراتيجية الكبري الشاملة ولا يجب أن نغض الطرف عن أن المؤتمر الصحفي في 16 يونية جاء قبيل الديالوج الاستراتيجي والاقتصادي بين أمريكا والصين. وهو مجموعة لقاءات سنوية بينهما علي أعلي مستوي ثنائي تم عقدها هذا العام 23، 24 يونية في واشنطن. كما أن هذه اللقاءات تمت قبل المناسبة الكبري بين الصين وأمريكا بثلاثة شهور وهي الزيارة الرسمية لرئيس الصين إلي أمريكا في سبتمبر. ولذلك فإعلان الصين باتمام العمل في الجزر الصناعية هو بمثابة تحسين الجو بين الصين وأمريكا في ضوء زيارة رئيس الصين المرتقبة لأمريكا.

لا يجب أن نغفل أنه رغم ما قاله ديفيد لاميتون خبير الشئون الصينية الأمريكي من أن علاقات الدولتين وصلت لنقطة الفراق فإن الصين مازالت حريصة علي علاقات ثابتة مع أمريكا. ويعمل الرسميون الصينيون حاليا في وسعهم لإنجاح زيارة رئيسهم المرتقبة لأمريكا.

وليست الصين فقط هي التي تسعي لعلاقات طيبة مع أمريكا. ففي 18 يونية رد مساعد وزير الخارجية الأمريكي دانيال راسل علي المؤتمر الصحفي الصيني بمحاولة تخفيف التوتر في منطقة بحر الصين الجنوبي قائلا إن أمريكا مصممة علي عدم المواجهة العسكرية مع الصين. مع إضافة أن إنشاء الجزر الصناعية الصينية مصدر قلق لأمريكا. يبدو أن الطرفين يسعيان للتهدئة.

ومع أن سياسة الصين في المنطقة لم تتغير كثيرا في محتواها. فإنها تحاول تخفيف أثرها لطمأنة أمريكا وباقي العالم، لتنفيذ مشروعها الأعظم ولو علي حساب الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي.

وإلي هنا ينتهي هذا العرض المتعمق لعلاقة الصين بأمريكا. ومنه يتضح أن الاستعمار الأمريكي يدرك بجلاء أنه لم يعد سيد العالم الذي يأمر فيطاع. وأن عليه أن يفكر ألف مرة ومرة قبل الإقدام علي حماقة قد تدمر العالم، وفي مقدمته أمريكا نفسها.

 

الرئيس الشرفي لحزب الوفد