«الغاز» يروّض كبريـاء أوروبا

قبل 210 أعوام، هاجم نابليون بونابرت، روسيا فى الصيف واحتل موسكو.. لكنه ما لبث أن غادرها بعد شهر ليلقى هزائم متتالية على أيدى مجموعات عسكرية صغيرة، كان أخطر منها الصقيع وحلول فصل الشتاء، مما دفع المؤرخين للقول إن الجنرال شتاء هو من دحر نابليون فى روسيا.
الآن، يكرر الروس نفس السلاح لكنه سلاح عكسى.
فبعد أن اعتمدت أوروبا على الغاز الروسى الرخيص والوفير طوال العقود الماضية للتدفئة، ها هى الآن تعانى فى الشتاء، وتدفع أموالا باهظة لقاء الغاز الطبيعى، وأكثر من ذلك للغاز المسال القادم من قطر والولايات المتحدة.
وحولت روسيا، الغاز كأحد أسلحتها الضارية فى مواجهة أوروبا والغرب، ليصبح الجنرال "غاز" لاعبا أساسيا فى المواجهة التى فجرتها حرب أوكرانيا.
وما بين مهادنة وقصف، أصبحت يد روسيا على زناد الغاز.
فقبل أيام قالت شركة "غازبروم" عملاق الطاقة الروسى، إنها ستشحن 42.4 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، وهو ما يتماشى مع معدل تدفق الإمدادات فى الأيام القليلة الماضية.
وأصبحت عمليات شحن الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا هى احدى الوسائل القليلة التى تزود القارة العجوز بالغاز الروسى، وذلك بعد أن وقع انفجاران تسببا فى تخريب خطى الغاز "نوردستريم1" و"نورد ستريم 2" وتسريب الغاز منهما، فى شهر سبتمبر الماضى.
وعندما نقارن، سنكتشف أن السعر تضاعف، إذ بلغت أسعار الغاز خلال الربع الثالث من 2022 نحو 58.6 دولار لكل ميجا وات ساعة، مقابل نحو 30.9 دولار فى الربع الثانى، قبل أن يعود إلى 31 دولارا.
وحتى ندرك الفارق، فإن أسعار الغاز الطبيعى فى 2021، سجلت فى الولايات المتحدة متوسط 3.9 دولار لكل مليون وحدة
كان المحللون فى 2021 أى قبل هواجس الحرب الروسية الأوكرانية، يتوقعون أن يبلغ متوسط الأسعار الفورية فى أوروبا وآسيا 26 و27 دولاراً على التوالى لكل ميجا وات ساعة.
ورجحوا أن تنخفض الأسعار فى النصف الثانى من عام 2022، الذى ودعنا قبل أيام وهو ما لم يحدث.. بل قفز "الجنرال غاز" إلى مستويات قياسية، وتضاعف فى أوروبا 4 مرات خلال عامين.
ويوم الثلاثاء الماضى تم تداول العقود الآجلة فى هولندا عند 73٫5 يورو للميجا وات ساعة.. إنه سلاح جديد، يملكه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، يستطيع من خلاله ترويض جانب من كبرياء الغرب، وينمى به التدفقات الأجنبية للخزانة، ويزخر بعائده حاملات الصواريخ التى تدك أوكرانيا.
ويمثل منتدى غاز شرق المتوسط، الذى تقوده مصر صمام أمان وحماية لأمنها القومى ويتيح لها دخول عالم الكبار فى سوق الغاز، ويمنع استخدام الجنرال "غاز" ضدها فى أى أزمة مستقبلية قد تحدث فى العالم.