عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الرى الحديث.. طوق نجاة من أزمة المياه

بوابة الوفد الإلكترونية

«نقطة مياه تساوى حياة».. حقيقة لا ينكرها أحد، ومصر تعانى بلا شك من أزمة مائية حادة وتواجه عدة تحديات فى هذه الأزمة، أبرزها سد النهضة الإثيوبى والزيادة السكانية وفاقد المياه المهدر فى الزراعة والقطاع المنزلى، وغيرها من القطاعات.

ولمواجهة هذه الأزمة وضعت الدولة خططًا متوسطة وطويلة الأمد بتكلفة 50 مليار دولار، تستمر لعام 2037 وتمثلت أبرز عناصرها فى تحويل أنظمة الرى القديمة إلى الأنظمة الحديثة، خاصة فى المحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز وقصب السكر، مع تأهيل وتبطين الترع بطول 7 آلاف كيلومتر، فضلًا عن مشروعات بناء محطات تحلية المياه.

54 مليار متر مكعب هو حجم العجز المائى لمصر، فإجمالى موارد مصر المائية نحو 60 مليار متر مكعب، بينما نحتاج إلى 114 مليار متر مكعب، ولذلك نحن فى أشد الحاجة إلى الإسراع فى تطبيق الخطط والاستراتيجيات الجديدة من أجل سد هذا العجز وتوفير وترشيد استهلاك المياه بشكل أكبر.

فى هذا الملف، نرصد أبرز التحديات التى تواجه مصر فى الأزمة المائية والمحاصيل الشرهة للمياه وكيفية ترشيد استهلاك المياه بصورة تسهم فى تقليل العجز المائى بأكبر قدر ممكن.

 

54 مليار متر مكعب.. حجم العجز السنوى

 

تتشكل خريطة الموارد المائية فى مصر من 5 عناصر، أهمها نهر النيل الذى يعد المصدر الرئيسى للمياه، حيث تبلغ حصة مصر من مياهه 55.5 مليار متر مكعب سنويا تمثل 79.3% من الموارد المائية وتغطى 95% من الاحتياجات المائية الراهنة.

ويشمل العنصرين الثانى والثالث المياه الجوفية والأمطار، حيث تقدر كمية المياه الجوفية المستخدمة فى مصر بحوالى 4.5 مليار متر مكعب سنويا فى الوادى والدلتا، إضافة إلى الأمطار والتى لا تعد مصدرا رئيسيا للمياه لقلة الكميات التى تسقط فى الشتاء، حيث يبلغ حجم هذه المياه نحو 1.3 مليار متر مكعب سنويا.

إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى، من المصادر المائية التى لا يستهان بها حيث يبلغ المتوسط السنوى لمياه الصرف الزراعى نحو 20 مليار متر مكعب يعاد استخدام جزء كبير منها فى مشروعات التوسع الزراعى، فضلا عن مياه الصرف الصحى المعالج، وهى من المصادر المائية التى يمكن استخدامها لأغراض الرى بشرط أن تفى بالشروط الصحية المتعارف عليها عالميا، حيث تبلغ كميتها نحو 2.5 مليار متر مكعب سنويا يعاد استخدام حوالى 1.3 مليار متر مكعب منها بعد معالجتها فى مشروعات استزراع الأراضى الصحراوية.

هكذا فإن إجمالى موارد مصر المائية حوالى 60 مليار متر مكعب، بينما نحتاج إلى 114 مليارًا، أى لدينا عجز يزيد على 54 مليار متر سنويا، هذا العجز الكبير يتم تقليله إلى حوالى 40 مليار متر مكعب سنويا، بمعالجة مياه الصرف الزراعى وإعادة استخدامها.

وحول استخدامات المياه فى مصر، أكد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن الزراعة يعد أكبر قطاع مستهلك للمياه، حيث بلغت حصته نحو 61.35 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل نسبة 76.7% من إجمالى الاستخدامات، يليه مياه الشرب الذى بلغ استهلاكه 10.75 مليارات متر مكعب، بنسبة 13.4% من إجمالى الاستخدامات، حيث يعتمد حوالى 97% من سكان المناطق الحضرية و70% من سكان الريف على إمدادات المياه من خطوط الأنابيب.

وتتم تلبية احتياجات مياه الشرب من خلال مصدرين هما المياه السطحية، والتى توفر حوالى 83% من إجمالى مياه الشرب، والمياه الجوفية والتى توفر الـ 17% المتبقية، أما القطاع الصناعى، فقد قدرت احتياجاته من المياه بـ5.4 مليار متر مكعب سنويا.

وقالت وزارة الرى والموارد المائية، إن حجم استهلاكنا من المياه يصل إلى 80 مليار متر مكعب، فى حين أن احتياجاتنا من المياه 114 مليار متر مكعب، إذن فنحن نعانى من عجز مائى داخل البلاد يصل إلى 20 مليار متر مكعب، وهو ما نغطيه بإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والمياه الجوفية فى الوادى والدلتا حتى الآن، أما الـ34 مليار متر مكعب الأخرى فيتم استيرادها فى صورة حاصلات زراعية بما يسمى «المياه الافتراضية».

وأشارت الوزارة إلى أن نصيب الفرد من المياه انخفض من 2000 متر مكعب عام 1959 إلى 570 متر مكعب حاليا.

ووفقا للمعايير الدولية فإن الدولة تقع تحت خط الفقر المائى عندما يقل نصيب الفرد من المياه المتجددة بها عن 1000 متر مكعب سنويا، ومعنى هذا أن مصر حاليا تحت خط الفقر المائى بكثير.

ومن أجل التعامل مع هذه المشكلة، وضعت الدولة استراتيجية جديدة لترشيد استهلاك المياه وتعتمد على عدد من المشروعات، هى مشروع الرى الحديث للأراضى ومشروع تبطين وتأهيل الترع، ومشروع محطات الخلط، ومحطات تحلية المياه.

ويهدف مشروع الرى الحديث للأراضى إلى التحول من أنظمة الرى بالغمر إلى أنظمة الرى الحديث فى الأراضى القديمة بالوادى والدلتا، لأن ترشيد استخدام المياه فى قطاع الزراعة من أهم محاور الخطة القومية للموارد المائية، خاصة وأن قطاع الزراعة من أكبر القطاعات المستهلكة للمياه، بسبب الممارسات الخاطئة لنظم الرى بالغمر، واحتياج المحاصيل المنزرعة إلى كميات كبيرة من المياه على مدار السنة؛ مع ظروف التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.

ويضم الرى الحديث الرى بالرش أو بالتنقيط والري تحت السطحى، فى أطراف الدلتا والوادى، ونسبة الأراضى التى تروى بالرى الحديث فى مصر حاليا تبلغ مليون فدان، وتمثل 10% من إجمالى المساحة المروية.

وتسعى الدولة من خلال مشروع رفع كفاءة وتبطين وتأهيل الترع بإجمالى أطوال 7000 كم على مستوى المحافظات، إلى الاستفادة من الموارد المائية من خلال ترشيد الاستخدامات المائية وحل مشكلات توصيل المياه فى نهايات الترع، والمساهمة فى ضمان وصول المياه لنهايات الترع فى أسرع وقت لتحقيق العدالة فى توزيع المياه وزيادة الإنتاجية الزراعية، وتقليل تكلفة الصيانة وإزالة الحشائش الدورية للترع.

أما مشروع محطات الخلط، فيهدف إلى رفع كفاءة استخدام المياه وتحسين حالة الرى فى نهايات الترع، لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى، حيث تم الانتهاء من إنشاء 250 محطة، إلى جانب تنفيذ 116 محطة خلط مياه الصرف الزراعى على مياه الترع بتكلفة حوالى 500 مليون جنيه.

وتتضمن الاستراتيجية أيضاً إنشاء محطات تحلية مياه البحر بالمحافظات الساحلية، حيث يتم بناء 47 محطة لتحلية مياه البحر فى محافظات شمال وجنوب سيناء، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، الدقهلية، كفر الشيخ، البحيرة مطروح والبحر الأحمر، والتوسع فى إنشاء محطات المعالجة الثنائية والثلاثية لمياه الصرف الصحى، واستخدامها فى الأغراض المخصصة لذلك، وإنشاء محطات لاستخراج المياه الجوفية.

 

محصول الأرز.. الأمل فى «السوبر» والهجين

 

يعتبر الأرز من أكثر المحاصيل التى تستهلك المياه، وبالتالى كان على رأس الزراعات التى تعاملت معها الدولة منذ بداية أزمة نقص المياه والفقر المائى الذى تعانى منه مصر حاليًا، وتنتج مصر من الأرز سنويًا 4.5 مليون طن تزرع فى مليون و76 ألف فدان بـ7 محافظات شمالية لمنع تسرب مياه البحر للدلتا تستهلك منها 3.5 إلى 4 ملايين طن.

ويبلغ نصيب الفرد سنويًا 36 كيلوجرامًا من الأرز الأبيض و55 كيلو من الأرز الشعير، حيث يعتبر الأرز من السلع الغذائية الرئيسية للمصريين وهو رقم 2 بعد القمح، فيقبل على شرائه أكثر من 70٪ من المواطنين بالمجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين.

وعادة ما كانت المساحة التى تتم زراعتها بالأرزعلى مدار السنوات الماضية مليونًا و100ألف فدان، إلا أنه فى عام 2015 تم تخفيض المساحة إلى 700 ألف فدان، لكن تصاعدت المشكلات نتيجة اختفاء محصول الأرز من الأسواق وخوفًا من عدم كفاية الكمية التى ستتم زراعتها أعيدت المساحة كما كانت عليه 1.1 مليون فدان، إضافة إلى مخالفات الفلاحين فى الزراعة التى تؤدى إلى ارتفاع المساحة إلى نحو 1.8 مليون فدان، حيث يتم حصد الأرز فى الفترة من أغسطس وحتى أكتوبر من كل عام.

ويتوقع تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية، أن يبلغ إنتاج مصر من الأرز فى الموسم المقبل 2020- 2021 إلى نحو 4.3 مليون طن مترى (3.9 مليون طن) وهى نفس كمية المتوقعة لموسم 2019 -2020 الحالي.

ويتوقع التقرير أن يرتفع استهلاك مصر ومخزونها من الأرز فى الموسم المقبل 2020- 2021 إلى (4.08 مليون طن)، (3.9 مليون طن) فى موسم 2019- 2020.

تعامل الدولة مع أزمة نقص المياه ومحصول الأرز بدأ منذ عامين، عندما بدأت استخدام أصناف الأرز الهجين والأرز السوبر والأرز الجاف التى تم استنباطها لمواجهة الفقر المائى وتحمل الملوحة العالية فى التربة.

وقال الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمى باسم وزارة الزراعة، إن هناك لجنة تنسيقية عليا برئاسة كل من وزير الزراعة ووزير الرى، هدفها العمل على تحديد الخطوات التى نعمل عليها، من خلال إضافة أصناف جديدة من محصول الأرز تتحمل الملوحة والجفاف، مشيرًا إلى أنه تمت زراعة 724 ألف فدان بالمياه العادية الموسم الماضى، وتم استكمال المستهدف (1.1 مليون فدان) بالأصناف الجديدة التى تتحمل نسبة الملوحة العالية والرى لفترات بعيدة ما أسهم فى توفير الأرز بشكل كبير.

ومن أبرز الأصناف الموفرة للمياه التى اعتمدتها وزارة الزراعة «جيزة 177، جيزة 178، سخا 101، سخا 102، سخا 103، سخا 104، سخا 105، سخا 106، سخا 107 والأرز الهجين»، التى تبلغ فترة نموها 120 إلى 135 يومًا، وتستهلك نحو 5 إلى 6 آلاف متر مكعب مياه للفدان، وتم إلغاء الأصناف القديمة جيزة 171، جيزة 172 التى تبلغ مدة نموها 160 إلى 170 يومًا، وتستهلك 9 إلى 10 آلاف متر مكعب مياه للفدان، وبذلك تم توفير 30% من الاستهلاك المائى بتعميم تلك الأصناف المبكرة.

من جانبه، قال الدكتور حمدى الموافى، رئيس المشروع القومى لتطوير وإنتاج الأرز الهجين والسوبر، إن مصر تشهد تحديات مائية كبيرة، وكان لابد من التفكير فى طرق مختلفة لتطوير زراعة الأرز لتقليل استهلاك المياه وزيادة إنتاجيته فى الوقت نفسه، لأنه محصول استراتيجى كثيف الاستهلاك للمياه.

وأضاف الموافى، أنه لتوفير الاكتفاء الذاتى من الأرز يجب زراعة 1.4 مليون فدان، ولكن بسبب ضيق الرقعة الزراعية فى مصر فإن هذه المساحة قد لا تتم زراعتها، وبالتالى نلجأ دائمًا إلى البحوث الزراعية من أجل زيادة الإنتاجية وخفض استهلاك المياه، وقد تم ذلك من خلال زراعة الأصناف الهجين وأصناف الأرز السوبر عالية المحصول قصيرة العمر.

وأوضح رئيس المشروع القومى لتطوير وإنتاج الأرز الهجين والسوبر، أن زراعة هذه الأصناف جاءت أيضاً لاستغلال إنتاجيتها العالية التى تتراوح بين 4.5 و5 أطنان للفدان، بما يعنى توفير 3 مليارات متر مكعب من مياه الرى، التى تمثل من 30 إلى 40% من الاحتياجات المائية للأصناف القديمة.

ولفت «الموافى»، إلى أن الأصناف الهجين والسوبر للأرز فى مصر تتميز عن غيرها من الأصناف التقليدية العادية بإنتاجيتها العالية التى تزيد بكميات تصل إلى طن و1.5 طن، موضحًا أن هناك أصنافًا أخرى مثل جيزة 187 وجيزة 179 يمكنها أيضاً أن تتحمل نقص المياه وملوحة التربة، فكل هذه الأصناف تتراوح احتياجاتها المائية بين 4 آلاف و4.5 ألف متر مكعب من المياه، وتتحمل الزراعة فى مناطق نقص المياه ونهايات الترع فيما يسمى بالحزام الشمالى المتأثر بملوحة التربة، بمحافظات «كفر الشيخ، الدقهلية، الشرقية، والغربية، والبحيرة، مساحات محدودة من بورسعيد والإسماعيلية والإسكندرية»، وبالتالى يمكن زراعة الأرز بأمان وزيادة الإنتاجية مع قلة الاحتياجات المائية.

فيما قال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن المساحة التى تتم زراعتها فى مصر بالأرز غالبًا ما تصل إلى 1.8 مليون فدان، بزيادة 700 ألف فدان عما تعلنه الدولة رسميا.

وأضاف أبو صدام، أن المساحة المقررة لزراعة الأرز تنتج ما يكفى مصر ذاتيًا من الأرز، حيث نستهلك ما يقرب من 4.5 مليون طن أرز شعير سنويًا، التى تنتجها مساحة المليون و76 ألف فدان التى تتم زراعتها كل عام.

وأوضح نقيب الفلاحين، أن الاتجاه لعدم زيادة المساحات المزروعة من الأرز يرجع إلى قلة الموارد المائية المتاحة واستهلاك زراعة الأرز الكبير للمياه، مشيرًا إلى أن الأرز محصول استراتيجى واستصلاحى للمحافظات مرتفعة المياه الجوفية، فهو حائط صد لمياه البحر وله عائد اقتصادى عالى بالنسبة للمزارعين بالمقارنة بالمحاصيل الصيفية الأخرى.

 

«التنقيط» ومحطات التحلية.. أبرز أساليب المواجهة

 

أكد خبراء زراعيون وموارد مائية، أن مصر تواجه تحديات كبيرة فى قضية المياه وتعانى من شح مائى، ولذلك فإن كل قطرة مياه تساوى الكثير، ويجب على الدولة الإسراع فى خطتها لمواجهة هذه الأمر، وترشيد الاستهلاك بقدر الإمكان.

وأشار الخبراء، إلى أننا يمكننا توفير مليارات الأمتار المكعبة من المياه باستخدام طرق ووسائل حديثة وسهلة التنفيذ لكنها تحتاج إلى تمويل ضخم، فمن خلال تطوير أنظمة الرى وتحويلها إلى الرى بالرش أو التنقيط بدلًا من الغمر، يمكننا توفير من 25 إلى 50% من المياه المستخدمة فى الزراعة، كما يمكننا من خلال مشروع تبطين وتأهيل الترع توفير 10 مليارات متر مكعب خلال 10 سنوات، فضلًا عن استخدام الأدوات الموفرة للمياه فى القطاع المنزلى والمصالح الحكومية والمستشفيات والمدارس.

فى هذا الصدد، قال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن التحديات التى تواجه مصر فى قضية المياه متعددة، أبرزها التأثيرات السلبية لسد النهضة الإثيوبى والتغيرات المناخية والزيادة السكانية التى تستنفد الموارد المائية على حساب الرى والزراعة.

وأضاف صيام، أن الدولة رصدت مئات المليارات من الجنيهات لتطبيق استراتيجية جديدة لترشيد استهلاك المياه، من خلال بناء محطات تحلية المياه واستخدام أساليب الرى الحديثة فى الزراعة وتحويل أراضى الغمر إلى الرش والتنقيط ومشروع تأهيل وتبطين الترع، لافتًا إلى أن الزراعة تستهلك نحو 85% من الموارد المائية فى مصر.

«تكلفة تطوير فدان الرى المطور بالأنابيب تبلغ نحو 20 ألف جنيه، وفدان الرى بالتنقيط أو الرش يتكلف نحو 35 ألف جنيه، بسبب المواسير الداخلية التى يتم تركيبها فى الحقل بالشبكة الداخلية للفدان نفسه»، هذا ما أكد عليه أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة.

وأوضح صيام، أن الفلاح لن يستطيع تحمل هذه التكلفة المالية بمفرده، ولذلك لابد على الدولة أن تقدم له الدعم من خلال قروض ميسرة بفائدة بسيطة، لأن الاستفادة العامة من هذا الأمر كبيرة وعظيمة، وهى ترشيد استهلاك المياه التى نحتاجها بشدة فى الوقت الحالى، مشيرًا إلى أننا نحتاج إلى تحويل 5 ملايين فدان فى الدلتا لنظام الرى بالتنقيط والرش، أى أننا نحتاج إلى 150 مليار جنيه تقريبًا لهذا المشروع فقط.

وفيما يتعلق بمحصول الأرز واستهلاكه للمياه، قال أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن الأرز يستهلك نحو 9 مليارات متر مكعب إذا تمت زراعته فى مساحة 1.5 مليون فدان، وفى حالة زراعة الأرز الجاف الموفر للمياه، فإننا نستطيع توفير 50% على الأقل من هذه المياه، ولذلك لابد من التوسع فى زراعة أصناف الأرز الجاف خلال الأعوام القادمة.

أما قصب السكر، فأشار صيام، إلى أن مشكلته الأساسية تتمثل فى أن مصانع السكر بمحافظات الصعيد تعتمد عليه بشكل كبير فى تصنيع السكر، وتتم

زراعته على مساحة 300 ألف فدان، ويستهلك 3 مليارات متر مكعب من المياه، وإذا استخدمنا الرى بالتنقيط فى زراعته سوف نوفر 50% من المياه، إضافة إلى زيادة الإنتاجية الخاصة بالمحصول، أى أن الاستفادة هنا ستكون اقتصادية ومائية.

ولفت إلى أن تطوير نظم الرى لا يكلف الفلاح أموالًا كثيرة إلا فى المرة الأولى فقط، وتتم صيانة وتغيير الأنابيب كل ثلاث أو أربع سنوات، وبالتالى بإمكان الدولة إعطاء الفلاحين قروضًا بفائدة منخفضة أول مرة فقط، لتوفير ما لا يقل عن 10 مليارات متر مكعب من المياه، نحن فى أشد الحاجة إليها.

وقال الدكتور نادر نورالدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إن الدولة لديها خطة لتنمية الموارد المائية وترشيد الاستهلاك فى نفس الوقت.

وأضاف نورالدين، أننا نفذنا نحو 17 محطة تحلية مياه على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وعقب تنفيذ خطة بناء كل المحطات سوف توفر نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه سنويا، وهذه الكمية تكفى لرى مليون فدان أو تكفى لاستخدامات القطاع الصناعى الذى يتم التوسع فيه حاليًا، لأن قطاع الصناعة يستهلك نحو 3 مليارات متر مكعب وإنتاج هذه المحطات يكفيه وأكثر.

«هناك أيضاً معالجة مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى والصناعى، الذى يوفر لمصر نحو 20 مليار متر مكعب من المياه النقية، بدلًا من استخدامها ملوثة تسبب الأمراض وتهدد بتدهور الأرض الزراعية وسلامة الغذاء المنتج، كما أن معالجة هذه المياه معالجة ثلاثية تجعلها وكأنها تشبه مياه النيل تماما»، هذا ما أكد عليه أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة.

وأوضح نورالدين، أن ترشيد استخدامات المياه أمر ضرورى وحتمى، لأن الفاقد من استخدامات المنازل والمحليات مثل المدارس والجامعات ودواوين الحكومة يمثل نحو 33% أى أن ثلث المياه يتم إهداره وهذا رقم كبير، فنحن نستهلك فى القطاع المنزلى والمحليات 10 مليارات متر مكعب أى أننا نفقد 3.3 مليار متر مكعب سنويًا».

«العائد من المتر المكعب المستخدم فى القطاع الصناعى نحو 50 جنيهًا، أى أننا لو حولنا مليار متر مكعب من الفاقد فى استخدامات القطاع المنزلى لقطاع الصناعة فإن العائد الاقتصادى منه يصل إلى 50 مليار جنيه، وكذلك قطاع الزراعة العائد الاقتصادى لكل متر مكعب نحو 10 جنيهات، أى أن العائد الاقتصادى لمليار متر من الفاقد يساوى 10 مليارات جنيه»، بحسب تصريحات أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة.

وتساءل نور الدين، «لماذا نفقد 3.3 مليار متر مكعب فى القطاع المنزلى تكلف الدولة 3 جنيهات لكل متر أثناء المعالجة، بسبب بعض العادات السيئة فى المنازل والمصالح الحكومية، ونحن فى إمكاننا الاستفادة من هذه المياه؟»، مؤكدًا أن مشروع تأهيل وتبطين الترع أيضاً جيد جدًا، لأن لدينا نحو 30 ألف كيلو متر تم تبطين 1500 كيلو حتى الآن، وخلال 10 سنوات سوف نوفر من مشروع التبطين نحو 10 مليارات متر مكعب.

كما أن تغيير نظم الرى من الرى بالغمر إلى الرى بالرش أو التنقيط من الممكن أن يوفر لمصر نحو 20 إلى 25% من المياه المستخدمة فى الرى، لأن الرى بالغمر يؤدى إلى فقدان ما بين 25 و50% من المياه التى تروى بها الأراضى، حيث إن قطاع الزراعة هو القطاع الأكبر فى استهلاك المياه، فهو يستهلك نحو 62 مليار متر مكعب وترشيد الاستهلاك فيه يجب أن يتم بشكل أكبر فى السنوات المقبلة.

ولترشيد الاستهلاك فى المستشفيات والمدارس والجامعات وغيرها، قال نور الدين إنه من الممكن أن نعمم استخدام «الحنفية الإلكترونية» التى عندما نضع أيدينا تحتها تنزل المياه، وعندما نبعدها تتوقف المياه، وبالتالى فإنها توفر جزءًا كبيرًا من المياه المهدرة.

 

«قصب موفر للماء».. خطة تحت التنفيذ

 

محصول قصب السكر من المحاصيل الاستراتيجية لمصر، ويأتى فى المرتبة الثانية بعد القمح من حيث الأهمية، لمساهمته الرئيسية فى إنتاج السكر، وتتركز زراعته فى محافظات المنيا وسوهاج وقنا وأسوان.

ولكن زراعة القصب تواجهها عدة مشكلات أبرزها اعتماد المزارعين على الأساليب القديمة فى الزراعة التى يمتد بعضها إلى عصر القدماء المصريين منذ آلاف السنين، واستخدام أساليب الرى بالغمر التى تستهلك كميات ضخمة من المياه، فى الوقت الذى يمكن زراعته بكميات أقل إذا طورنا نظم الري.

وفى ظل معاناة مصر من الفقر المائى، تسعى الدولة إلى تطوير زراعة عدد من المحاصيل منها القصب، وعقد الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى اجتماعا مؤخرًا، مع الدكتور على المصيلحى، وزير التموين، والسيد القصير وزير الزراعة لمناقشة ووضع خطة متكاملة لتطوير زراعة قصب السكر وزيادة الإنتاجية وترشيد المياه وزيادة دخل الفلاح.

واتفق الوزراء على تشكيل لجنة مشتركة من الوزارات الثلاث لإعداد البرامج التنفيذية لتطوير زراعة القصب مع مراعاة الاحتياجات الحالية والمستقبلية لاستهلاك السوق المحلى والأخذ فى الاعتبار مشكلة نقص الموارد المائية فى مصر.

وقال الدكتور أيمن العش، مدير معهد بحوث المحاصيل السكرية، إن البحوث العلمية سواء فى معهد البحوث الزراعية أو المحاصيل السكرية من أهم الأسباب الرئيسية فى تطوير الزراعة فى مصر بشكل عام وللسكر بشكل خاص.

وأضاف العش، أن ما كنا ننتجه قبل إنشاء هذه المعاهد والمراكز البحثية يمثل نصف الإنتاج الحالى من المحاصيل الزراعية، وبالتالى البحوث لها أهمية فى التطوير وأحدثت طفرة فى الإنتاج سواء العناية بالمحاصيل أو إدخال التكنولوجيا الحديثة.

وأوضح مدير معهد بحوث المحاصيل السكرية، أن محصول القصب استوائى يتناسب مع المناخ الحار والضوء القوى، ولذلك عملية الحصول على أصناف عالية الجودة منه فى مصر صعبة جدا ومعقدة وتحتاج إلى ظروف خاصة، فعلى سبيل المثال من بين 120 ألف بذرة تتم زراعتها من الممكن أن نحصل على بذرة واحدة فقط نستطيع الاعتماد عليها لإنتاج صنف جيد، ونحن لا نمتلك رفاهية استخدام هذه الطريقة التى تحتاج إلى ما بين 7 و10 سنوات حتى نحصل على النتائج.

وتابع: «محصول القصب يوصف بعدم ثبات الصفات الوراثية لكل بذرة عكس محاصيل أخرى مثل القمح والذرة التى تمتلك نفس الصفات الوراثية»، ولذلك تم اقتراح نقل برنامج تربية قصب السكر من مصر إلى دول أفريقية يتناسب مناخها معه ويزهر فيها طبيعى مثل زامبيا، ولكن جائحة كورونا أوقفت المشروع.

ولفت العش، إلى أن إنتاج مصر من السكر نحو 2.3 مليون طن، منها مليون طن من قصب السكر يتم إنتاجها من 230 ألف فدان، بينما الـ1.3 مليون طن سكر المنتجين من البنجر يتم إنتاجهم من 600 ألف فدان، حيث تبلغ نسبة السكر فى القصب ما بين 10 و11% أى أن طن قصب السكر ينتج 10% من وزنه سكر، أما نسبة السكر فى البنجر فتصل إلى 20%.

وأضاف، «متوسط إنتاج فدان القصب تتراوح ما بين 46 و47 طن قصب، ومن الممكن الوصول إلى 65 طنًا بعد التطوير، بينما فدان البنجر يتراوح إنتاجه ما بين 18 و20 طن بنجر ومن الممكن الوصول إلى 40 طنًا، ولذلك إنتاج السكر من القصب فى 230 ألف فدان يزيد على إنتاج البنجر فى 600 ألف فدان».

وكشف «العش»، عن أن استهلاك القصب للمياه حاليًا 10 آلاف متر مكعب، بينما الاستهلاك الحقيقى له يتراوح ما بين 6 و8 آلاف متر مكعب، بينما البنجر يحتاج ما بين 5 و6 آلاف متر مكعب، ولكن استهلاك القصب للمياه يتواصل طوال العام بينما البنجر لا يبقى سوى 6 أشهر فقط.

وأوضح مدير معهد المحاصيل السكرية، أن أسباب استهلاك القصب لهذه الكميات الكبيرة من المياه حاليا تتمثل فى نظم الرى القديمة بالغمر وعمليات البخر والمسافة التى تستغرقها المياه حتى تصل إلى أراضى زراعات القصب منذ خروجها من مصدر الرى، فضلًا عن تسريب الماء الأرضى، ولذلك فإن تطوير زراعة القصب ونظم الرى من الممكن أن ترفع إنتاجية الفدان إلى 60 و65 طنًا وتوفر كميات كبيرة من المياه.

وأشار إلى أنه من الممكن استخدام نظم رى حديثة فى القصب منها نظام الرى تحت السطحى، ويكون من خلال خراطيم تنقيط يتم دفنها فى الأرض على بعد 40 سنتيمترًا، ويتم زرع النباتات فوقها والمياه التى تصعد على جذر النبات يتم من خلالها التحكم فى الأسمدة وزراعة المحصول بشكل عام، كما يمكن استخدام نظام الرى بالتنقيط، وبالفعل بدأنا فى مصر زراعة 1200 فدان بهذا النظام ويعطى إنتاجية جيدة، لأن احتياجات القصب الحقيقية من المياه من الممكن أن تصل إلى 6 و7 آلاف متر مكعب وليس 10 آلاف كما يحدث حاليًا فى الرى بالغمر، وهو ما يعنى تقليل ما بين 30٪ و40٪ من مياه رى القصب.

ولفت «العش»، إلى أن القصب فى مصر تتم زراعته حتى الآن بالطرق القديمة ومنها ما يصل إلى عهد القدماء المصريين، من خلال تخطيط المزارع للأرض ثم رمى عيدان القصب فى خطوط الأرض ثم الردم عليها والرى بالمياه وبعدها يبدأ المحصول فى الإنبات، وهذه الطريقة قد ينتج عنها سوء توزيع للنباتات، وبالتالى من الممكن أن يضع المزارع عيدان فى الأرض ولا تنبت، فيكون لديه فى النهاية أرض كبيرة ومحصول قليل.

وتابع، «ولذلك من الممكن تطوير زراعة القصب من خلال عملية «شتل القصب» عن طريق عمل صوبة زراعية خارج الأرض بمساحة 1000 إلى 2000 متر مربع نزرع فيها النبات ثم نجلب هذه النباتات إلى الأرض الأساسية ويكون هناك فارق بين كل عود وآخر فى خطوط الأرض نحو 50 سم، وبذلك نضمن أن نضع فى الأرض نباتات حية فى أماكنها المخصصة، وبالتالى تزيد الإنتاجية ولا نجد سوء التوزيع مرة أخرى».

وأكد أن الإنتاج الخاص بالصوبة الزراعية الواحدة فى القصب يكفى لزراعة 100 فدان قصب، كما أن رى هذه الصوبة يكون خلال 3 أشهر فقط، بينما لو زرعنا كالمعتاد فى الأرض سوف نستهلك كميات هائلة من المياه فى نفس الـ3 أشهر حتى ينبت القصب.