رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبد الغنى يكتب :لفضيحة: «مبارك» وأولاده براءة!

بوابة الوفد الإلكترونية

على عكس المناحة المنصوبة في مصر حاليا، لم أتفاجأ بالحكم في قضية مبارك. ربما خدعتنا كلمات القاضي الحماسية في بداية الجلسة. قال جميع المتابعين:

«أخيرا عدالة السماء هتنزل على القاهرة، والشعب هياخد حقه ممن ظلمه وقتل أولاده وجعل حياته أسود من قرن الخروب منذ 30 سنة مضت ثم 30 سنة قادمة سنعاني فيها من تبعات أفعال العصابة التي كانت تحكمنا». لكن تبين للمصريين أن «العدالة» لن نعرفها ما دام يحكمنا توابع وصبيان «المخلوع»، وأنها لن تنزل فقط سوى على ملاعب الكرة، سواء في استاد باليرمو بإيطاليا، حيث تغنى بالعبارة المعلق الرياضي محمود بكر، حينما حصلنا على ضربة جزاء في كأس العالم أمام هولندا أحرز منها «مجدي عبدالغنى» هدفا يتيما قبل 22 سنة ما زال يذلنا به حتى اليوم، أو في استاد «برج العرب» حيث استهل المنتخب المصري مشوار تصفيات كأس العالم المقبلة بالفوز على موزمبيق.
الحكم على مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالمؤبد في قضية قتل المتظاهرين خادع. إنه حكم أول درجة. هناك درجات تقاض تالية من الوارد جدا تخفيف الأحكام حتى «البراءة» بحسب قضاة نقض مرموقين. ولنا في «هشام طلعت مصطفى» المحرض على قتل «سوزان تميم» تذكرة وعبرة. في البداية حصل ومساعده الفاعل الأصلي على الإعدام، ثم خفف الحكم على «هشام» بالسجن 15 سنة، وعلى القاتل بالمؤبد.
وأهم من كان يتوقع «إعدام» مبارك ووزير الداخلية ومساعديه الستة من قيادات الشرطة (المساعدون نالوا البراءة بالفعل في جلسة السبت، وبالتالي من حقهم مقاضاة كل من اتهمهم بقتل الثوار». لو عدنا بالذاكرة قليلا سنجد أن محاكمة «المخلوع» لم تكن تجري لولا ضغط الشارع. أشاد من كلفهم بإدارة شؤون البلاد رسميا في بيان شهير بـ «عطائه وخدماته للوطن». تركوه شهرين يمرح ويتشمس ويلعب «الاسكواش» في قصره المنيف بعاصمته المحببة إلى قلبه «شرم الشيخ». ولما اضطروا إلى محاكمته، قدموه في قضية ولعبوا في «أساسها». لم يحاكموه على فساد عصر كامل وإفساد شرايين الحياة في أكبر دولة بالشرق الأوسط، والنزول بمكانة «أم الدنيا» إلى مستوى ينافس بلاد لا تركب «المرسيدس» ولا الأفيال، بل تركب «التوك توك».
ثم كانت الشهادة الحاسمة من «الكبار» وأولي الأمر أمام المحكمة: «الرئيس لم يصدر أوامر بالقتل لا كتابة ولا شفاهة، ولا حتى بالإشارة ولا بالهمس أو باللمس أو بالآهات والنظرات». وزاد «عمر سليمان» نائب المخلوع بإلقاء التهمة في رقبة عناصر من حركة «حماس» اخترقت الحدود وراحت تجوب مصر من أول «رفح» مرورا بشبه جزيرة سيناء ثم محافظات الدلتا وصولا إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة لقنص المتظاهرين!
أما المصيبة التي تصل إلى حد الكارثة في الحكم، فهي تبرئة مبارك وأولاده من تهمة استغلال المنصب في التربح غير المشروع. المعنى المباشر أن الرجل وولديه شرفاء، أطهار، نظيفو اليد، أنقياء الذمة، لم يدخل جيوبهم جنيه واحد حرام أو دولار أميركاني مشكوك في أمره، بل إن كل الثروات التي جمعوها والخزائن التي يملكونها والشركات التي أنشؤوها والأسهم التي اشتروها والقصور التي بنوها والأراضي التي ضموها هي من «عرق جبينهم» وبمجهودهم الشخصي، وإننا شعب «منفسن» يحقد ويغل على زعيم وأولاده ناجحون وأسطوات في الحكم والبزنس و «المزيكا وخلافه» بحسب التعبير الخالد الذي أطلقته خفيفة الدم زينات صدقي على عبدالسلام النابلسي «حسب الله السادس عشر»!
لم أتفاجأ بالحكم بعدما أنار بصيرتنا قبل أشهر الأستاذ محمد حسنين هيكل، كشف في كتابه «مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان» بعبارات موجزة وقاطعة حقيقة المحاكمة الهزلية للرئيس المخلوع. وضع النقط على الحروف

في هذه المسرحية. كتب: «مع أن مبارك وصل إلى قاعة محكمة -ممددا على سرير طبي دخل به إلى زنزانة حديدية- فإن التهم التي وُجهت إليه لم تكن هي التهم التي يلزم توجيهها، بل لعلها الأخيرة فيما يمكن أن يوجَّه إلى رئيس دولة ثار شعبه عليه، وأسقط حكمه وأزاحه. والمنطق في محاكمة أي رئيس دولة أن تكون محاكمته على التصرفات التي أخل فيها بالتزامه الوطني والسياسي والأخلاقي، وأساء بها إلى شعبه، فتلك هي التهم التي أدت للثورة عليه. أي أن محاكمة رئيس الدولة -أي رئيس وأي دولة- يجب أن تكون سياسية تثبت عليه أو تنفى عنه مسؤولية الإخلال بعهده ووعده وشرعيته، مما استوجب الثورة عليه، أما من دون ذلك فإن اختصار التهم في التصدي للمظاهرات قلب للأوضاع يستعجل الخاتمة قبل المقدمة، والنتائج قبل الأسباب، ذلك أنه إذا لم يظهر خروج مبارك على العهد والوعد والشرعية، إذن فقد كان تصديه للمظاهرات ممارسة لسلطته في استعمال الوسائل الكفيلة بحفظ الأمن العام للناس، والمحافظة على النظام العام للدولة، وعليه يصبح التجاوز في إصدار الأوامر أو تنفيذها رغبة في حسم سريع، ربما تغفره ضرورات أكبر منه، أو في أسوأ الأحوال تزيدا في استعمال السلطة قد تتشفع له مشروعية مقاصده!! وكذلك فإنه بعد المحاكمة السياسية -وليس قبلها- يتسع المجال للمحاكمة الجنائية، ومعها القيد والقفص!!».
وأوضح الأستاذ: «بمعنى أن المحاكمة السياسية هي الأساس الضروري للمحاكمة الجنائية لرئيس الدولة، لأنها التصديق القانوني على موجبات الثورة ضده، وحينئذ يصبح أمره بإطلاق النار على المتظاهرين جريمة يكون تكييفها القانوني إصراره على استمرار عدوانه على الحق العام، وإصراره على استمرار خرقه المستبد لعهده الدستوري مع الأمة!!».
هذا مربط الفرس وبيت القصيد، الذي كان يجب أن يحصل في محاكمة رئيس. ثم إن هذه تركة مبارك يا أولى الألباب: %43 من المصريين تحت خط الفقر، %12 من الشعب مصابون بفيروسات الكبد، ملايين بالفشل الكلوى، ملايين يقيمون بالعشوائيات، ملايين من أطفال الشوارع، «الرشاوى» هي اللغة الرسمية بين موظفي الدولة، تعليم فاشل، إعلام مضلل، شرفاء وعلماء يموتون غيظا وكمدا وتجاهلا، وراقصات وداعرو السياسة يعالجون على نفقة الحكومة.
بعد هذا كله يحصل صاحب هذه الأرقام القياسية على البراءة في تهم الفساد.
فعلا العدالة لم تنزل على ميدان التحرير، حتى اسألوا «محمود بكر» و«مجدي عبدالغني»!
نقلا عن صحيفة العرب القطرية