عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حيرة «الإسلاميين» في مصر

خليل العناني
خليل العناني

يخوض الإسلاميون فى مصر اختباراً قاسياً في ما يخص اختيار «مرشحهم» الرئاسي. وكلما اقترب موعد إغلاق باب الترشيح المقرر له أوائل الشهر المقبل، ازداد القلق والتوتر داخل الحركات والأحزاب الإسلامية بسبب عدم حسمها هذه المسألة. مصدر القلق والحيرة أمران،

أولهما عدم وجود مرشح يحظى بثقة الإسلاميين (وهم هنا ليسوا فصيلاً واحداً منسجماً) بحيث يأتمنونه على أنفسهم ومسقبلهم ولا ينقلب عليهم لاحقاً كما عوّدهم التاريخ. وثانيهما، الخوف من أن يأتي اختيارهم على عكس رغبة قواعدهم وجمهورهم، ما قد يؤدي إلى تذمرات وانشقاقات تنظيمية وقد يضر بصورتهم وشعبيتهم في وجه عام.
بيد أن لهذه الحيرة وجهاً آخر. فهي تعكس قدراً عالياً من الحسابات الشديدة والمعقدة التي تقوم بها التيارات الإسلامية فى مصر، وهو ما يؤشر الى مدى براغماتيتها وواقعيتها السياسية، وذلك على عكس ما يرّوج عنها باعتبارها تيارات دوغمائية مغلقة تتخذ قراراتها إما بدوافع إيديولوجية أو إرضاء للشارع من دون اعتبارات للمكسب والخسارة.
وعلى مدار الشهور الثلاثة الماضية تقلبت وجهة الإسلاميين ومواقفهم في ما يخص المرشح الرئاسي الذي قد يدعمونه أكثر من مرة. فتارة يضعون شرط «الأسلمة»، أي الانتماء الى التيار الإسلامي (سواء رسمياً أو فكرياً) على نحو ما ينافح السلفيون، وتارة يرفعونه وذلك على نحو ما فعل الإخوان قبل أن يعودوا فيقبلونه. ومرة يتحدثون عن رئيس «توافقي» (والتوافقية هنا ليس مصدرها الكفاءة أو الأهلية بقدر ما ترتبط بالمواءمات والمصالح السياسية) ومرة أخرى عن رئيس «فني» أو «تكنوقراط» يمكنه إدارة البلاد خلال المرحلة المقبلة من دون أن يكون منتمياً الى تيار إيديولوجي بعينه.
وبما أن الإخوان والسلفيين من أكثر الحركات الإسلامية تنظيماً (وليس بالضرورة عدداً، وهذه مسألة أخرى)، يصبح من المفيد استعراض مواقفهما من مسألة المرشح الرئاسي وطبيعة الحسابات السياسية التي يقومان بها من أجل حسم هذه المسألة قبل أن تفلت الأمور من أيديهم. وفي هذا المقال سيكون التركيز على الإخوان ومرشحهم المحتمل للرئاسة.
قبل خلع مبارك ألزم «الإخوان» أنفسهم بعدم الدفع بأي من كوادر وأعضاء الجماعة للمنصب الرئاسي وذلك فى إطار استراتيجية التطمينات التي اتبعتها الجماعة طيلة أسابيع الثورة المصرية وكان هدفها تهدئة المخاوف الداخلية والخارجية من مرحلة ما بعد الثورة وإمكانية صعود الجماعة لسدة الحكم والتي كان من بينها أيضاً التعهد بالتنافس على نحو 30 في المئة فقط من المقاعد البرلمانية.
لكن بعد أن سقط مبارك وتم حظر حزبه الحاكم، اتضح حجم الفراغ الهائل الذي خلفه هذا السقوط، وهو ما جعل الجماعة تستدرك نفسها فى المسألة البرلمانية لتقوم بتغيير موقفها «الحذر» جذرياً كي تنافس على غالبية المقاعد بالتنسيق مع بعض القوى السياسية، إلى أن حصدت فعلياً نصف مقاعد البرلمان وأصبح حزبها «الحرية والعدالة» هو حزب الغالبية الجديد.
أما في ما يخص المسألة الرئاسية، فكان من الصعب (وإن لم يكن مستحيلاً) أن تغيّر الجماعة موقفها لأسباب كثيرة، أولها محاولة الحفاظ على صورتها التي تعرضت لاهتزاز شديد طيلة الفترة الماضية بسبب المواقف السياسية للجماعة، بخاصة في علاقتها بالمجلس العسكري من ناحية (والتي تبدو أحياناً كما لو كانت متماهية) وبالقوى الثورية من ناحية أخرى (والتي تبدو أحياناً علاقة جافة إن لم تكن عدائية). وثانيها عدم وجود شخصية من الوزن الثقيل داخل الجماعة يمكنها أن تتقدم الى المنصب الرئاسي باستثناء «مهندس» التنظيم وعقله المحرّك المهندس ورجل الأعمال البارز خيرت الشاطر والذي يبدو أنه واقع تحت ضغط شديد في ما يخص هذه المسألة، على نحو ما أشارت إليه بعض التسريبات الصحافية أخيراً.
الحديث عن الدفع بخيرت الشاطر الى المنصب الرئاسي كان محاولة من قيادات الجماعة لامتصاص وحلحلة «عُقدة» الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الذي فصلته الجماعة من صفوفها قبل عام بسبب قراره الجريء بالترشح للرئاسة. مشكلة أبو الفتوح مع الجماعة ليست فقط لكونه يحظى بتأييد قطاع واسع من شباب الجماعة ويشكل مصدر قلق و «صداع» في رأس التنظيم الإخواني، وإنما أيضاً بسبب اتساع شعبيته داخل قطاعات واسعة من الليبراليين واليساريين بخاصة بعد انسحاب الدكتور محمد البرادعي من السباق الرئاسي، بحيث بدا أبو الفتوح كما لو كان مرشح القوى الثورية للرئاسة.
بيد أن الدفع بالشاطر تواجهه ثلاث عقبات أساسية: أولاها الضرب بصدقية الجماعة عرض الحائط بعد تعهدها والتزامها المعلن بعدم ترشيح أحد منها للرئاسة. ثانيتها، من شأن هذا القرار أن يصب المزيد من الزيت على التنظيم داخلياً، ليس فقط بسبب تأييد قطاع واسع من شباب الجماعة لأبو الفتوح (والذي سيزداد باعتباره الضحية المغدور به)، وإنما بما سيبدو وكأنه سياسة «الكيل بمكيالين» التي تتعاطى بها الجماعة مع كوادرها وقياداتها. وثالثتها الطبيعة الذاتية للشاطر: فهو شخصية لا تحب الأضواء الكثيفة وتفضل إدارة الأمور والتحكم عن بعد. بكلمات أخرى يميل الشاطر للعب دور «صانع الملوك» لا أن يكون هو الملك ذاته.
وللخروج من هذا المأزق لم يكن أمام الجماعة

سوى السعي إلى «مأسسة» المسألة عبر اللجوء الى مؤسسات الجماعة من أجل اتخاذ القرار. ويبدو أن «عقدة أبو الفتوح» قد أحيت الدور الضعيف لمجلس «شورى الإخوان» الذي لا يزال فى حالة انعقاد دائم منذ الجمعة الماضية للبت في مسألة الرئاسة. فنادراً ما يتم اللجوء إلى «مجلس الشورى العام» في الجماعة للتقرير في مثل هذه القضايا المصيرية ما لم تكن ثمة درجة من التعقد وعدم اليقين لدى مكتب الإرشاد وقيادته، والتخوف من اتخاذ قرار قد لا يعكس رغبة القواعد وربما يهدد تماسك التنظيم داخلياً.
من جهة أخرى، قد تكون الجماعة حسمت أمرها بالفعل واختارت مرشحها للرئاسة ولكنها تحاول تصوير الأمر وإخراجه كما لو كان قراراً مؤسسياً. لكن إذا ما استمرت «عقدة» الرئاسة على حالها، فمن المرجح أن يُحال الأمر الى «مكتب الإرشاد» الذي سيتخذ قراره (إن لم يكن قد اتخذه بالفعل) في شأن اختيار المرشح الرئاسي الذي ستدعمه الجماعة في الانتخابات.
أما الحديث عن احتمال أن يتم ترك الأمر للقواعد الإخوانية بأن تدعم من تشاء من المرشحين الحاليين، وذلك على نحو ما أُشيع من أنه حدث في انتخابات 2005، فهو أمر مستبعد لأسباب عدة. فمن جهة أولى، لا يمكن الجماعة أن تفرّط بمثل هذه الفرصة التاريخية بدعم مرشح للرئاسة قد يصبح هو فعلياً الرئيس، ومن ثم يدين لها بالولاء لاحقاً نتيجة هذا الدعم. ومن جهة ثانية، من مصلحة الجماعة أن تدعم مرشحاً بعينه (وهنا لا بد من أن تحتسب لرأي الشارع وليس فقط لكتلتها التصويتية) إن لم يكن حباً به فمن أجل استخدامه للمناورة مع بقية القوى السياسية، بخاصة العسكر الذين يراقبون الجماعة عن بعد وينتظرون قرارها من أجل إطلاق جولة جديدة من المفاوضات والترتيبات للمرحلة المقبلة. ومن جهة ثالثة لا يوجد أي مبرر للتصويت «السلبي» للإخوان (أي عدم ترجيح مرشح بعينه) بل قد يقرأ البعض ذلك كما لو كان مؤشراً على ضعف الجماعة داخلياً وعدم قدرتها على الحسم، وهو ما سيؤثر في صورتها ووزنها التفاوضي سواء مع الرئيس الجديد أو مع العسكر. كما أنه ليس من مصلحة الإخوان (على الأقل معنوياً) أن يفوز رئيس لم يحظ بدعمهم ولو رمزياً.
أما عن سبب تأخر الجماعة فى حسم مسألة «المرشح» الرئاسي فمرده الى أسباب عدة، أولها عملية التفاوض التي تجرى خلف الكواليس سواء مع بعض مرشحي الرئاسة أو مع أهل الحكم. ثانياً سعي الجماعة إلى «جس نبض» الشارع ومعرفة إلى أي المرشحين يميل المزاج العام، وذلك حتى لا تراهن الجماعة على «الحصان الخاسر». والثالث محاولة الترتيب لامتصاص رد الفعل الداخلي سواء إذا اختارت الجماعة دعم مرشح ذي توجهات إسلامية ولكن غير مؤطر تنظيمياً، مثل سليم العوا أو حازم صلاح أبو إسماعيل أو باسم خفاجي «الوافد الجديد» على خريطة الإسلاميين، أو إذا ما اختارت مرشحاً غير إسلامي وهو ما قد يشكك في الالتزام الايديولوجي والعقائدي للجماعة باعتبارها حركة إسلامية. ورابعها محاولة التوصل الى اتفاق مع الكتل الإسلامية الأخرى بخاصة السلفيين في ما يخص المرشح الرئاسي.
فمن مصلحة الجماعة سياسياً وأدبياً أن تدعم مرشحاً يرتضيه الجمهور الواسع للإسلاميين الذي يبدو غير مستعد للتنازل عن الرئاسة.
نقلا عن صحيفة الحياة