رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مذكرات عبد اللطيف فى المكتب المنيف!...2

الكتاب الذى صدر مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان "الأيام الأخيرة لنظام مبارك 18 يوم" لمؤلفه عبد اللطيف “المناوى” الرئيس الأسبق للتلفزيون المصرى فى 462 صفحة يعبر بصدق عن رؤية من قلب نظام مبارك لثورة الشعب فى يناير 2011.

ظنى أن الكتاب قد حقق انتشاراً كبيراً فى الأوساط الثقافية نظراً لعنوانه المشوّق الذى يمنّى القارئ بسبق المذكرات فى تكثيف أحداث الأيام الأولى للثورة وجمعها فى كتاب ضخم لمؤلف اشتهر بقربه من مواقع الأحداث بقصر الرئاسة ومن رجال مبارك فى أيام أفول نظامه البائس. لكن القراءة الهادئة لتلك المذكرات أخرجتنى بمجموعة من الملاحظات والاستنتاجات التى أفنّدها فيما يلى:
 أولى المؤلف مسمى "موقعة الجمل" عناية خاصة، وتعمّد الوقوف على اصطلاح "موقعة" الذى انتشر إعلامياً، فى محاولة يائسة منه لخلق صلة بين الحادث وبين الفكر الإسلامى المتشدد المسيطر على ميدان التحرير وبالتالى المسيطر على الثورة كما يعتقد!. تجاهل المؤلف تماماً -عن عمد أو نقص معرفة- أن "موقعة الجمل" هى موقعة شهيرة ومريرة فى التاريخ الإسلامى، إذ تمثّل أول حرب بين فريقين من المسلمين فى أعقاب اغتيال الخليفة الراشد عثمان ابن عفان (رضى الله عنه) إبان أحداث الفتنة الكبرى. تجاهل أيضاً سخرية المصريين التى سيطرت على مجرى الأحداث طوال أيام الثورة لتهوينها من ناحية وللحط من قدر النظام وحيله من ناحية أخرى، فقد استفز مشهد الخيول والجمال فى ميدان التحرير العالم كله، وأعاد إلى الأذهان مشاهد من حروب العصور الوسطى وما قبلها، فليس أقل من أن توصف هذه الفعلة الخرقاء بوصف يليق بهمجيتها وتخلّفها، حتى إن واحداً من أكبر مقدمى البرامج الساخرة فى العالم وهو "جون ستيوارت" قد أفرد فقرة كاملة فى برنامجه الشهير لهذه المعركة الفريدة، ولم أكن أتخيل أن هذا المسمى للمعركة يستخدمه المؤلف للنيل من المجنى عليه بدلاً من الجانى، فإن كان الأول صاحب التسمية، فالآخر هو صاحب الفعل المشين والأجدر بالاتهام.
 ومثلما اهتم المؤلف برصد أعداد المتظاهرين لإنكار تجاوزهم المليون فى ميدان التحرير، فقد اهتم أيضاً برصد أعداد الخيول والجمال المشاركة فى موقعة الجمل لينفى عن المعركة دمويتها التى اتخذت فى رأيه ذريعة لإسقاط نظام مبارك!. والحديث عن نظام مبارك يأخذنا إلى مشاعر الأغلبية (التى يسميها المؤلف الأغلبية الصامتة والتى خرجت عن صمتها فى تقديرى خلال أيام الثورة الأولى وبخاصة الحادى عشر من فبراير 2011) فقد كانت مشاعر الأغلبية تتجه إلى انتظار اشتعال حدث يبطل مفعول الخطاب العاطفى الذى ابتز به مبارك مشاعر الناس فى أول فبراير 2011. كانت موقعة الجمل حدثاً مخيفاً لدى اشتعاله، هذا صحيح، لكن خطورته لم تكن لتقاس بأعداد القتلى والجرحى كما حاول المؤلف أن يفعل، بل بسابقة قيام نظام الحكم فى مصر بإشعال حرب أهلية علنية لإنقاذ ما بقى منه، كذلك كان توقيت المعركة رسالة من الله بأن "مبارك" لن يحكم مصر مجدداً لا بالترهيب ولا بالترغيب. أعلم أن كثيراً من الثوّار أحبوا غباء عدوّهم بالقدر الذى كرهوا فيه حادث الجمل، فمن الذى يحب يهوذا الذى سلّم المسيح، ومن الذى يكره حادث التسليم إن كان فيه الخلاص؟ (فى معتقد إخواننا المسيحيين).
 الطريف أن المؤلف الذى اتخذ من مكتبه بالتلفزيون قاعدة لمتابعة ورصد وتسجيل الأحداث، والذى حرص على تصوير المظاهرات عن بعد خوفاً على مذيعيه وربما منهم! كان لديه شعور طوال الوقت بمسئولية تاريخية تجاه الوطن، ولا أعرف على وجه التحديد كيف كانت تصرفاته هو وتلفزيونه تصب فى مصلحة الوطن! إلا إذا كان الوطن هو النظام الحاكم أو الاستقرار الذى لا يكون إلا بنظام مبارك كما يظنون.
 يريد المؤلف أن يبرر مواقفه التى أنكرها الشعب عليه بكونها خالصة لوجه استقرار البلاد، وكون مبارك قد قرر مغادرة السلطة ولكن بعد أشهر قليلة وبالتدريج، فلم يفطن صاحبنا إلى ما فطن إليه ثوار مصر من أوجه الشبه العديدة بين التماس "مبارك" للبقاء قليلاً وبين ما فعله "يلتسين" رئيس روسيا السابق بخصومه الثائرين ضد حكمه بعد أن أقنعهم ببقائه قليلاً ثم الانصراف بهدوء، فما كان منه إلا أن استخدم أيامه الباقية فى الحكم للتنكيل بخصومه والتمهيد لحكم رجل مخابراته القوى "بوتين"، الذى عجز الروس عن إقصائه عن الحكم حتى اليوم، وها هو قد عاد رغم أنف الجميع ليحكم فترة ثالثة بمحلل اسمه "ميدفيديف". نسى المؤلف أن الناس قد رأوا وجه "يلتسين" فى "مبارك" كما رأوا وجه "بوتين" فى "عمر سليمان".

ثانياً: ملاحظات حول أثر الانتماء السياسى للمؤلف على مذكراته
 الكاتب يؤيد الثوار، ويتمنى لو بقى مبارك قليلاً، ويعظّم عمر سليمان، ويكره التوريث، ويحب "أنس الفقى" مهندس التوريث، ويطيع المشير، وينعى على النظام أنه لم يغتنم فرص تخدير الشعب لإجهاض الثورة...! حقيقة لقد حرت فى أمره. المعضلة التى واجهت “المناوى” أنه أراد أن يجنى من الثورة موقفاً ثورياً يضمن توزيع الكتاب، وأن

يجنى من نظام مبارك مركزاً قيادياً يسمح له –طبعاً- بالقيام بواجبه الوطنى المحتوم!، وأن يجنى من المجلس العسكرى وعداً بتجديد الثقة نظير الولاء والانقلاب على بعض أركان النظام السابق، وكل ذلك مع الحرص على ألا يلحظ قارئه أى نوع من انحراف المبادئ والانتهازية فى سلوك المؤلف. فكلما أراد أن يثبت اضطلاعه بدور حيوى فى حسم الصراع على السلطة لصالح المجلس العسكرى، يورد رواية مفادها أنه اضطر إلى الكذب على صديقه وصفيه ورئيسه ومصدر معلوماته الأول فى قصر الرئاسة الوزير الأسبق "أنس الفقى"، وهو فى ذلك كمن اتخذ لنفسه غاية يحسبها وطنية لتبرير وسيلة أراها تآمرية، خاصة ما فيها من سرية وطرق مخابراتية تحمّس لها وبها المؤلف.
  الكذب أيضاً على رئيسه كان مصحوباً بالكذب على مصادر أخرى للقيادة غير الرسمية ولا القانونية التى تصدر منها تعليمات لرئيس التلفزيون بدى وكأنما اعتادها فى الماضى! فمكالمة هاتفية غاضبة من "زكريا عزمى" رئيس ديوان "مبارك" فى أعقاب قيام “المناوى” بإذاعة البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لم يفلت منها المؤلف إلا بالكذب والإنكار وتلفيق قصة وهمية تفيد أنه لا يتدخل فى بيانات الجيش، وأن ضابطاً يأتى بهذه البيانات ويضعها على شريط العرض بنفسه، لكن لا يفوت “المناوى” أن يؤكد فى كتابه أن ذلك محض كذب، وكأنما يباهى بحيلته التى انطلت على رئيس الديوان وقتذاك، وكأنما يباهى كونه أول من فطن إلى مركز السلطة الجديد فحجز لنفسه مقعداً بين الحظوة!
  كان من الممكن أن يتخذ رئيس التلفزيون موقفاً وطنياً حقاً لا يؤاخذه عليه أحد، خاصة بعد أن لمس بنفسه حماية الجيش له من المتظاهرين ومن الوزير نفسه. كان من الممكن أن يستقل بقراراته عن الجميع، خاصة وأن هواه قد وافق هوى حُماته من القيادات العسكرية كما يدّعى فى سطور الكتاب، لكنه لم يكن يعرف إلى أى كفة ترجح المعركة، وبالتالى لم يرد اتخاذ موقف واضح، فكانت النتيجة أن مذكراته التى نتحدث عنها خرجت بصبغة مواقفه الراقصة على سلّم الثورة.
قصور الرؤية الذى طالما عانى منه رجال مبارك ورموز نظامه، بل الذى عانى منه كل المستبدين العرب هو الذى يجعلهم ينظرون إلى حادث تعذيب وقتل خالد سعيد على يد الشرطة المصرية، أو حادث انتحار "البوعزيزى" مفجّر الثورة التونسية، أو إلى حادث "معركة الجمل".. باعتبارها أحداث مدبّرة أو مفبركة أو هى أحداث فردية فى أسوأ الظروف، لكنهم لا ينظرون إلى أبعد من ذلك، لا ينظرون إلى رمزية هذه الأحداث وما تعكسه من تاريخ طويل من العسف والظلم والطغيان، لم يتدبروا حتى حكمة من كلاسيكيات السينما المصرية فى مشهد خاتمة فيلم "شئ من الخوف" حينما جعل من اختطاف الطاغية "عتريس" للفتاة المسكينة "فؤاده" بعقد زواج باطل سبباً كافياً لخروج أهل القرية للقصاص من العصابة وزعيمها، حتى وإن كانت هذه هى أقل جرائم "عتريس" منذ بداية الفيلم. لو أن رجال مبارك عملوا فى النقد الفنى لكان تعقيبهم على خاتمة الفيلم بأن "عتريس" معذور وقد أحب الفتاة منذ صغره، وقد وقع ضحية لبطانته وجده من قبل، وهذا الحادث بسيط يمكن تصحيحه إذا أمهل أهل القرية "عتريس" بعض الوقت لإقناع "فؤاده" بالقبول أو حتى لإعادتها إلى بيت أبيها..!!