شاهد.. قصر "باغوص باشا" الأثري يغوص في مستنقع الخراب

"إحنا ورثة 7000 سنة حضارة".. طالما تفاخرنا كمصريين بالجملة السابقة..ولكن الواقع يؤكد أننا نتفنن في اهمال وتدمير الأرث التاريخي..
ففي كل بلاد العالم المتحضر، أي مبنى يزيد عمره عن 100 عام، يصبح أثرًا له سجل رسمي، ويتم التعامل معه باهتمام شديد من حيث الترميم ومتابعة حالته للحفاظ عليه.. ولكن في مصر فأننا نهمل أجمل إرث تاريخي ونتركه للخراب.
قصر "باغوص باشا" بمنطقة غمرة في قلب العاصمة، حائر وتائه لا يعرف له مصير، تجاهله الجميع، بداية من وزارة الآثار، ثم وزارة الثقافة، إلى رؤساء الحي بمحافظة القاهرة، وحتى وزارة التربية والتعليم أخذت من الإهمال جانبًا، وتحول مع مرور الزمن لأماكن مهجورة تمامًا، بل يُنتظر كارثة قريبة، لكونه آيلًا للسقوط فى أي وقت.
وفى عام 1885 أنشئ القصر، بالقرب من حي الشرابية، وبجوار مستشفي الطائفية الإسرائيلية، التى أصحبت مستشفى غمرة العسكري حاليًا، لصاحبه باغوص وهو نجل نوبار باشا أول رئيس وزراء لمصر من أصل أرمني، في فترة حكم محمد علي باشا، الذي تولي رئاسة الوزراء ثلاث مرات.
القصر مكون من دورين، مصمم بالطراز الروماني، ويربط الدورين سلم خشبي كان يستخدمه الخدم لتوصيل الطعام للأدوار العليا، وحائط الدور الأسفل مزخرف بماء الذهب، بينما الدور الأخرى مكسوة بالورق الملون، كان يحتوي على العديد من التحف، التي ليس لها مثيل، إضافة إلى الأواني الذهبية والفضية.
أما عن حديقة القصر، فقسمت إلى ثلاثة أماكن، الأول منها زرع بدخلها جميع أنواع الزهور الفريدة، بينما الثاني خصص للفرق الموسيقية، التي كانت تحيي حفلات القصر، أما الجزء الأخير فكان يحتوي على أسطبل خيول عربية.
بعد اندلاع ثورة 1952، لم تتكاتف الجهود لحماية هذا التاريخ، وهذه الموروثات، من أجل محاولة توظيفها من جديد، بل سرقت جميع التحف والأوني، وأصبح فقط قصرًا بالاسم، بعد تدمير محتويات القصر، ولم يتبق شيئًا من القصر بالداخل إلا قطعة خشبية واحدة، كانت «بيانو» لفتاة لطالما داعبته بأناملها من زمن فات، وبعض الحجارة المتساقطة، لن تفيد اللصوص من سرقتها.
أما عن خارج القصر، فالدولة لم ترحمه والقصر يلفظ أنفاسه الأخيرة، فتحول إلى منفعة عامة واستغل كمبني ملحق بمباني مدرسة الظاهر الإعدادية بنات، التي أقيمت على جزء من مساحة الأرض، كما أقيمت بعدها مدرسة الظاهر الثانوية بنين، علي المساحة المخصصة لاسطبل الخيول والأرض الملحقة به.
بعد زلزال 1992، هدمت السلالم والأرضيات للقصر، وأصبح
ولم تبال الإدارة التعليمية، بخطورة وجود القصر داخل المدرسة، بحيث إنه يمتلئ بالحشرات والثعابين، ما يشكل خطورة قصوى عليهم، علاوة على أن المبنى يحتضر في انتظار الانتحار، حيث إنه آيل للسقوط فى أي وقت.
الملفت فى الأمر، أنه فى صباح يوم الاثنين 31 مارس عام 2014، اتصل الدكتور محمود أبو النصر، وزير التربية والتعليم، آن ذاك بحكومة حازم الببلاوي، بوزير الآثار الدكتور محمد إبراهيم، بنفس الحكومة أيضًا، بعد علمه بوجود قصر «باغوص» داخل أسوار مدرسة الظاهر الإعدادية بنات، في أثناء زيارته المفاجئة للمدرسة، وطالب منه إرسال لجنة من الآثار لمعاينة هذا القصر، والشروع في ترميمه للاستفادة منه كمزار سياحي إذا تبين أنه يدخل في نطاق الآثار، أو استغلاله كمبنى إداري للعاملين بالمدرسة لو لم يكن أثريا.
ووفقا لبيان صادر عن وزارة التربية والتعليم، فى ذاك الوقت، استجاب وزير الآثار على الفور ووعد بإرسال لجنة غدًا لمعاينة القصر واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهه.
أما إذا ذهبنا على أرض الواقع فسوف نجد أن كل هذه التصريحات وهمية فقط لوسائل الإعلام، تكتب على ورق فى الصحف، ولكن فى الحقيقة لم يتحرك أحد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالقصر حتى وقتنا هذا.
ومن المدهش عندما أردنا دخول المدرسة لتصوير القصر، تعجب أحد معلمي المدرسة، قائلًا: "هو ده قصر مين أصلا؟!! علشان تصوره"، بينما قال آخر: "أنتم بتصوروه علشان هيتهد".