هل الرسول ذم حواء واتهم النساء بالخيانة؟

خلال قراءتى فى تفسير «كتاب الله العزيز»، للشيخ هود بن محكم الهوارى (توفى بالقرن الثالث الهجرى)، أول وأقدم تفسير للقرآن الكريم على المذهب الأباضى، استوقفنى ما نسب للرسول عليه الصلاة والسلام بدون سند فى تفسيره الآية رقم 36 من سورة البقرة، قال هود: "ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا بنو إسرائيل ما خنز لحم، وما أنتن طعام، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها»، وأضاف: "ذكر بعضهم أن حواء هى التى كانت دلت الشيطان على ما كان نهى عنه آدم الجنة".
دونت ملاحظة فى الهامش بالقلم الرصاص: «مهاجمة الرسول لحواء واتهامه للنساء بالخيانة»، غالباً ما أعود لتفريغ الملاحظات التى دونتها ومراجعتها، استكملت القراءة إلى أن وصلت الآية 81 من سورة طه، وفوجئت بأن هود الهوارى يكرر الحديث منسوباً فى هذه المرة إلى أبى هريرة، عبدالرحمن بن صخر(19 ق. م 57 هـ)، وقد حذف من الحديث عبارة: «وما أنتن طعام»، كما أنه نسب الفقرة الأولى من الحديث والخاصة ببنى إسرائيل إلى الصحابى عبدالله بن عباس (3 ق. م 68 هـ)، قال: «ذكروا عن ابن عباس قال: لولا بنو إسرائيل ما خنز لحم ولا أنتن طعام؛ إنهم لما أمروا أن يأخذوا ليومهم ادخروا من يومهم لغدهم»، وأضاف: «ذكروا عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا بنو إسرائيل ما خنز لحم، ولولا حواء ما خانت أنثى زوجها».
أعدت قراءة الحديث أكثر من مرة، وتحديداً الفقرة الخاصة بحواء والخيانة، فظاهر المتن أن الرسول، حسبما ذكر فى التفسير، ينتقد أمنا حواء ويتهمها بالخيانة، ليس هذا فحسب بل إنه يحملها مسئولية توريث الخيانة لجميع النساء، فهل يعقل؟، وهل الخيانة تورث؟، وهل حواء، حسب منطوق الحديث، خلقت خائنة أم أنها اكتسبت الخيانة؟، وأية خيانة التى يتحدث عنها الرسول الكريم ولم يكن الله قد خلق رجالاً بعد سوى آدم؟، ما نوعية الخيانة التى نسبها الرسول لحواء؟، وما الفعل الذى قامت به حواء ووصفه الرسول بالخيانة؟
قبل أن نجيب عن بعض هذه الأسئلة، كان من الطبيعى أن نبحث فى المصادر التى يرجح اعتماد هود الهوارى عليها فى ذكر حديث أبى هريرة، ما هى المظان التى أخذ منها؟
الأخبار القليلة التى وصلتنا عن هود الهوارى صاحب التفسير، تشير إلى أنه ينتسب إلى قبيلة هوارة البربرية، وكان (حسب مقدمة بالحاج بن سعيد شريفى محقق تفسيره)، يعيش فى جبل أوراس بالجزائر، وأنه عاش فى النصف الثانى من القرن الثالث بعد الهجرة (بين 250 و300 هـ)، ولم يكن علم التفسير، خلال حياته، قد اكتملت معالمه بعد، كما أن هودا اعتمد على بعض من سبقوه فى تدوين تفسيره، وقيل (والقول لـ د.هدى شلبى: مقدمة تحقيق تفسير يحيى ابن سلام، 124 200هـ) إنه نقل بشكل أساسى من تفسير يحيى بن سلام، أو على حد صياغتها، أن هودا كان من بين اثنين قاما بنقل كتابيهما من تفسير يحيى بن سلام».
والذى قرأ تفسير هود الهوارى يعلم أنه لم يشر إلى ذلك، وأنه اكتفى بذكر اسم ابن سلام فى بعض مواضع فى متن التفسير، أما الثانى وهو ابن أبى زمنين (324 399 هـ) فقد أقر فى مقدمة كتابه (تفسير القرآن العظيم، تحقيق: حسين بن عكاشة، ومحمد بن مصطفى الكنز) بأنه قام باختصار كتاب ابن سلام، وذلك بقوله: «فإنى قرأت كتاب يحيى بن سلام فى تفسير القرآن، فوجدت فيه تكراراً كثيراً، وأحاديث ذكرها؛ يقوم علم التفسير دونها، فطال بذلك الكتاب، وأنه للذى خبرته من قلة نشاط أكثر الطالبين للعلوم فى زماننا هذا، إلا إلى ما يخف فى هذا الكتاب على الدارس، ويقرب للمقيد، نظرت فيه، فاختصرت فيه مكرره وبعض أحاديثه»، والطريف أن ابن أبى زمنين (محمد بن عبدالله) أثناء اختصاره كتاب ابن سلام فى كتابه تفسير القرآن العظيم، قام بحذف حديث أبى هريرة من تفسير سورة البقرة الآية رقم 36، ومن تفسير سورة طه الآية 81.
وبالنسبة لتفسير ابن سلام البصرى (ت 200هـ) فقد وصلنا المخطوط ناقصاً عدة أوراق، وما بين أيدينا يبدأ من الآية رقم 48 من سورة النحل، أى أنه ينقصه تفسير 16 سورة، وتفسير 47 آية من سورة النحل، وبمضاهاة ما ذكره هود الهوارى فى تفسير الآية رقم 81 من سورة طه، اتضح أنه قام بنقل ما جاء عند ابن سلام نقلاً حرفياً، بعد أن قام بحذف السند مكتفياً بالصحابى، ففى تفسير ابن سلام ذكر الحديث بسنده عن طريق ابن عبدالرحمن بن عوف (توفى بين 94 و104 هـ) عن أبى هريرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد سبق الحديث فقرة بنى إسرائيل منسوبة للصحابى الجليل عبدالله بن عباس (ت68هـ)، نقلها عنه التابعى الجليل عكرمة (ت105هـ)، وجاءت المادة فى تفسير ابن سلام على النحو التالى:
- «حماد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة (بن عبدالله البربرى المدنى، ت 105ه)، عن ابن عباس (عبدالله، ت 68 هـ) قال: لولا بنو إسرائيل ما خنز لحم، ولا أنتن طعام، إنهم لما أمروا أن يأخذوا ليومهم ادخروا من يومهم لغدهم.
- خداش عن، محمد بن عمرو، عن أبى سلمة (بن عبدالرحمن بن عوف، ت 94 أو 104هـ، ابن سعد فى طبقاته: سنة 94، والواقدى: سنة 104هـ)، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا بنو إسرائيل ما خنز لحم، ولم... الطعام، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها».
صحيفة ابن همام
بالطبع رواية ابن سلام ليست أقدم المصادر التى ذكرت الحديث، وقد تكون هناك مصادر أقدم نقل عنها ابن سلام وغيره، ما هى؟، وهل سمع صحابى آخر الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟، هل نقله عن أبى هريرة تابعى آخر غير ابن عبدالرحمن بن عوف؟
لقد وصلتنا العديد من المدونات التى يعود أصحابها إلى القرن الثانى الهجرى، منها تفسير مجاهد (ت104ه)، وسفيان الثورى (ت161هـ)، وعبدالله بن وهب المصرى (ت197هـ)، وغيرها لكن أقدم مدونة ذكرت الحديث تاريخيا (حسب تقديرى والمصادر التى عدت إليها)، هى صحيفة همام بن منبه (ت131هـ)، وقد كتب فيها همام 139 حديثا سمعها من أبى هريرة، ويعود تاريخ أقدم مخطوط بلغنا منها إلى القرن السادس الهجرى (26 ذى القعدة سنة 577هـ)، وقد سبق ووصلتنا كاملة فى مسند أحمد (164 241 هـ) بمسند أبى هريرة، وجاء الحديث فى مخطوط همام تحت رقم 58 (تحقيق د. رفعت فوزى عبدالمطلب، صـ 201).
إذن نحن حتى الآن أمام صحابى واحد هو أبى هريرة، وتابعين هما: الأول: ابن عبدالرحمن بن عوف: ذكر فى رواية ابن سلام، ونقلها عنه (بدون سند) هود الهوارى، والثانى: همام بن منبه، الذى روى حديث الرسول فى صحيفته، وهو ما يعنى أن ابن سلام، وتابعه هود الهوارى، لم ينقلا روايته عن صحيفة ابن همام، وهناك مصدر آخر يمكن أن نعزو إليه روايته، ما هو؟، وهل وصلنا مخطوط هذا المصدر؟
أقدم ما عثرنا عليه من مصادر تسبق ابن سلام (ت 200هـ) تاريخيا، مدونتان، الأولى: تفسير مقاتل بن سليمان (80 - 150 هـ)، وللأسف ذكر الحديث بدون سند فى سياق شرحه للآية 81 من سورة طه (تحقيق: د. عبدالله محمود شحاته، 3/35)، قال: «ولولا صنيع بنى إسرائيل لم يتغير الطعام قط، ولولا حواء زوج آدم، عليهما السلام، لم تخن أنثى زوجها الدهر».
والثانية: مشيخة إبراهيم بن طهمان (ت 163هـ)، وقد جاء الحديث (رقم 22، تحقيق: د. محمد طاهر مالك، صـ 73) لأبى هريرة برواية عطاء بن يسار (ت 103هـ)، مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث (ت 51هـ): «عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:..
وفى فترة تاريخية تلى فترة ابن سلام، وتسبق فترة هود الهوارى (ق 3هـ)، عثرنا على الحديث فى مسند إسحاق بن راهوية (161 238 هـ)، برواية تابعى رابع هو خلاس بن عمرو الهجرى (لم نقف على وفاته) عن أبى هريرة، عن الرسول (تحقيق: د.عبدالغفور عبدالحق البلوشى، 1/168، ح115):» أخبرنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عوفا الأعرابى، يحدث عن خلاس بن عمرو الهجرى، عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
نخلص مما سبق أن الحديث المنسوب إلى الرسول الكريم فى ذم حواء واتهام النساء بالخيانة، انفرد به حتى الآن الصحابى الجليل أبى هريرة، وقد ذكر كاملا فى عدة مصادر، عن طريق أربعة من التابعين المشهود لهم بالثقة، وهم:
1- همام بن منبه (ت131هـ)، عن أبى هريرة، فى صحيفة همام بن همام، (تحقيق: د.رفعت فوزى عبدالمطلب، ح58، صـ 201).
2- عطاء بن يسار (ت 103هـ) عن أبى هريرة، فى مشيخة ابن طهمان، (إبراهيم بن طهمان، ت163هـ، ح22 صـ 73)
3- أبوسلمة (ابن عبدالرحمن بن عوف، ت 94 أو 104هـ)، عن أبى هريرة: فى تفسير بن سلام (ت200هـ)، سورة طه 81 (1/270)، وهود الهوارى (1/99، و3/45).
4- خلاس بن عمرو الهجرى (لم نقف على وفاته): فى مسند ابن راهوية (ت238هـ)، عن أبى هريرة (ح115، ج1صـ168).
وقد ذكرت الفقرة الأولى من الحديث، الخاصة ببنى إسرائيل، موقوفة على لسان ابن عباس (68هـ)، نقلها عنه عكرمة (ت 105هـ)، فى تفسير ابن سلام (ت 200 هـ)، سورة طه 81، (ج1 صـ270)، وهود الهوارى (3/45).
البخارى ومسلم
معظم المشتغلين بالفقه وبعلوم الحديث، إن لم يكن جميعهم، لا يعتدون سوى بما ذكر فى كتب الصحاح، وتشمل الصحاح فى عرف بعضهم البخارى ومسلم، والبعض الآخر يمده ليشمل: احمد والترمذى والنسائى وابن ماجة، ومالك والحاكم وغيرهم، من هنا كان لنا ان نسأل: هل الحديث ذكر فى الصحاح؟، وهل انفرد به الصحابى الجليل أبى هريرة؟، وعن طريق من من التابعين؟، وما هى المصادر التى نقل عنها أحمد، والبخارى، ومسلم وغيرهم؟.
عدت إلى الصحيحين، البخارى (194 256 هـ)، ومسلم (206 261 هـ)، وعدت كذلك إلى أحمد(164 241 هـ) فى مسنده، وكانت المفاجأة فى أنهم قد ذكروا الحديث فى أكثر من موضع وبطرق مختلفة، واتضح أن الحديث قد انفرد بروايته عن الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابى الجليل أبوهريرة (ت 75 ه)، وقد نقله عن أبى هريرة ثلاثة من التابعين المشهود لهم بالثقة، الأول: سليم بن جبير(ت 123 ه)، والثانى: همام بن منبه(ت 131 ه)، والثالث: خلاس بن عمرو الهجري( لم نقف على تاريخ وفاته)، وقد انفرد أحمد فى مسند أبى هريرة بإخراج روايات التابعين الثلاثة: همام، وسليم، وخلاس، وذكر مسلم روايتى همام، وسليم، أما البخارى فقد اكتفى برواية همام بن منبه فقط، أما الحاكم (ت 405ه) فقد انفرد فى مستدركه برواية التابعى لم يذكر من قبل، وهو محمد بن زياد(ت 129ه)، وقد جاءت الروايات فى الصحيحين وأحمد والحاكم وغيرهم على النحو التالى:
1- همام بن منبه (ت131هـ): ذكر البخارى: باب خلق آدم (حديث رقم 3330) بالسند التالى:» حدثنا بشر بن محمد، أخبرنا عبدالله، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، نحوه يعنى: «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها»، وقد أخرجه مسلم فى صحيحه من نفس الطريق فى الرضاع، باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر، (الحديث رقم 63/ 1470)، وقد أضاف كلمة الدهر فى نهايته.
وقد ذكر البخارى الحديث بكلمة الدهر فى باب قوله تعالى:» وواعدنا موسى ثلاثين ليلة..، (الحديث رقم 3399) قال:»حدثنى عبدالله بن محمد الجعفى، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر»، وقد أخرجه أحمد فى مسنده(مسند أبى هريرة) من نفس الطريق في(الحديث رقم8170).
وذكر أيضا عن طريق همام فى: مسند أبوعوانة (تحقيق: أيمن عارف الدمشقى، 3/143،ح4502)، وفى صحيح بن حبان(تحقيق: شعيب الأرناؤوط، 9/477، ح 4169) لمحمد بن حبان(ت 354هـ)، وفى أعلام الحديث(تحقيق: د،محمد سعيد آل سعود،3/1528، ح3330) للخطابي(ت 388هـ)، وفى المستخرج على صحيح مسلم(تحقيق: محمد حسن محمد، 4/143 ح3450) لأبى نعيم الأصفهاني(ت 340 هـ)، وذكر فى شرح السنة للبغوى، ت 516 هـ (تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش، 9/164)، ومعالم التنزيل (تحقيق: محمد النمر، وعثمان
2 - سليم بن جبير(ت123هـ): اخرج أحمد(164 241 هـ) فى مسند أبى هريرة(ح8591 و8597)، الفقرة الثانية فقط:» لولا حواء لم تخن انثى زوجها الدهر»، عن طريق سليم بن جبير مولى أبوهريرة، وقد أخرجه مسلم فى صحيحه، فى الرضاع، باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها (رقم 62/1470).
وذكره كذلك من طريق سليم عن أبى هريرة: أبوعوانة (ت 316هـ) فى مسنده(تحقيق: أيمن عارف الدمشقى،ح4503، 3/143)، وذكر فى كتاب العظمة(تحقيق: رضاء الله المباركفورى، 5/1584) لأبى الشيخ الأصبهانى (ت 369هـ)، وفى المستخرج على صحيح مسلم (تحقيق: محمد حسن محمد،4/143) لأبى نعيم الأصفهانى (ت340هـ)، وفى إكمال المعلم (تحقيق: د. يحيى إسماعيل، 4/682) للقاضى عياض (ت544هـ).
3 - خلاس بن عمرو الهجرى: انفرد أحمد(ت241هـ) فى نفس المسند برواية خلاس عن أبى هريرة، (الحديث رقم 8032)، مضيفا إلى متن الحديث عبارة:» ولم يخبث الطعام»، قال:» حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن خلاس بن عمرو الهجرى، قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» لولا بنو إسرائيل، لم يخنز اللحم، ولم يخبث الطعام، ولولا حواء، لم تخن أنثى زوجها»، وقد وثق العلماء عمرو بن خلاس الهجرى، وشكك بعضهم فى روايته عن أبى هريرة، فقد ذكر صاحب التهذيب (ابن حجر، ج 3 صـ 344)، قال أبو داود: سمعت أحمد يقول لم يسمع خلاس من أبى هريرة شيئا».
وقد ذكر الحديث عن طريق خلاس أيضا فى: مسند الحارث،(تحقيق: د. حسين الباكرى، 1/553) للحارث بن محمد البغدادى(ت282هـ)، وفى البحر الزخار (تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، 16/291) للبزاز (ت292هـ)، وعلق البزاز على الخبر بقوله:» وهذا الحديث لا نعلم يروى إلا عن أبى هريرة رضى الله عنه، ولا رواه، عن أبى هريرة رضى الله عنه، إلا خلاس»، وذكر كذلك فى مشيخة ابن حذلم (نشر فى برنامج جوامع الكلم، 1/18،ح17) لأحمد بن حذلم (ت347هـ)، وفى حلية الأولياء(نشر دار الفكر بيروت، 8/389) لأبى نعيم الأصفهانى (ت340هـ).
4- محمد بن زياد(ت129ه): انفرد به الحاكم (ت405ه) فى المستدرك(طبعة دار الحرمين 4/291، ح 7419)، وهو مولى الصحابى الجليل عثمان بن مظعون (ت3هـ)، وحدث عن (سير أعلام النبلاء للذهبى، 5/262) عائشة، وأبوهريرة، وعبدالله بن عمر، وابن الزبير، وتوفى سنة 129هـ.
وقد ذكر الحاكم خبره عن الطريق التالى:» قال: حدثنا أحمد بن كامل القاضى، ثنا أحمد بن عبيد الله النرسى، ثنا روح بن عبادة، ثنا عون، عن محمد، عن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها»، وقد علق الحكام على الخبر بقوله: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه «.
والصحيح أن الشيخين(البخارى وسلم) لم يخرجاه عن طريق محمد بن زياد، لكنهما أخرجاه عن طريق همام، وسليم، واللافت أن ابن طهمان، وهو ممن أخذوا عن محمد بن زياد، قد روى الحديث(فى مشيخته) من طريق عطاء بن يسار، عن أبى هريرة، ولم يذكره من طريق ابن زياد الذى روى له فى مشيخته أربعة أحاديث لأبى هريرة.
مبررات الشراح
الخبر المنسوب للرسول الكريم، كما أوضحنا، فى ذم حواء واتهام النساء بالخيانة، انفرد به الصحابى الجليل أبى هريرة، ونقله عنه ستة من التابعين الثقاة، يمكن اعتبار المصادر التى ذكرت الخبر عن طريقهم (إلى أن يثبت عكس ذلك) المظان الرئيسية أو الأولية، التى اعتمد عليها من جاءوا بعدهم فى ذكر الخبر، وهذه المصادر يمكن تقسيمها إلى مجموعتين، الأولى: وهى التى سبقت عصر الصحاح، القرن الثانى الهجرى والسنوات الأولى من الثالث الهجرى، ويمثلها من التابعين: همام بن منبه فى صحيفته، وعطاء بن يسار (فى مشيخة ابن طهمان)، وأبوسلمة (تفسير ابن سلام وهود الهوارى)، وخلاس بن عمرو(مسند ابن راهوية)، والمجموعة الثانية ويمثلها: سليم بن جبير(فى مسند أحمد) وتعود للقرن الثالث من الهجرة، ومحمد بن زياد(فى مستدرك الحاكم) ويمكن إرجاعها إلى القرن الرابع من الهجرة.
إذا كان الخبر صحيحا، وذكر فى مصادر يعتد بها ويتفق على صحتها، فالسؤال الذى يتبقى لنا هو: ما هى مبررات قبول المفسرين والمحدثين والشراح لهذا الخبر؟، هل مبرراتهم هذه يمكن قبولها وإقرارها؟.
أقدم مبرر لذم الرسول حواء واتهامها بتوريث الخيانة للنساء، يعود إلى القرن الثانى الهجرى، وجاء فى صحيفة همام بن منبه، وقد برر اتهام حواء بالخيانة لتعاونها مع الشيطان؛ فدلته على الشجرة المحرمة، فقال:" ذكر بعضهم أن حواء هى التى كانت دلت الشيطان على ما كان نهى عنه آدم الجنة"، وقد جاءت هذه العبارة بصياغتها فى تفسير هود(البقرة:36، 1/99)، وهو ما يعنى أن يحيى بن سلام (الذى اختصر هود تفسيره) قام بذكر الخبر عن طريق ابن عبدالرحمن بن عوف، وقام بنقل التعليق عليه من صحيفة همام بن منبه.
يأتى القاضى عياض (476 455هـ) فى المرتبة الثانية، حيث قدم لنا تبريرا للخيانة(إكمال العلم بفوائد مسلم، 4/482)، نقله عن العديد من الشراح والعلماء، قال: «لولا حواء لم تخن أنثى زوجها «: يعنى أنها أمهن فأشبهنها بالولادة ونزع العرق، لما جرى لها فى قصة الشجرة مع إبليس، وأن إبليس إنما بدأ بحواء فأغواها وزين لها، حتى جعلها تأكل من الشجرة، ثم أتت آدم فقالت له مثل ذلك حتى أكل أيضا هو»، وقد نقل رأيه هذا: يحيى بن شرف النووى(631 676 هـ) فى كتابه (شرح صحيح مسلم، 10/59)، وفى نفس السياق برر ابن هبيرة (ت 560 هــ) فى كتابه (الإفصاح عن معانى الصحاح 7/229)، قال: إن خيانتها لزوجها، أنها لما رأت آدم قد عزم على الأكل من الشجرة تركت نصحه فى النهى له؛ لأن ذلك كان ترك النصح له خيانة؛ فعلى هذا، كل من رأى أخاه المؤمن على سبيل ذلك فترك نصحه بالنهى عن ذلك النهى فقد خانه، ولا يخرج هذا من تسمية الخائنين الذين قال الله سبحانه عنهم: (إن الله لا يحب الخائنين) اللهم إلا أن يسكت تقية، فذلك له حكم تعلق به، ووافقه على هذا الرأى: أبوالسعادات (ت606هـ) فى كتابه(جامع الأصول فى سنة الرسول، 10/325، ح 7830، قال: (لم تخن أنثى) خيانة حواء آدم: هى ترك النصيحة له فى أمر الشجرة، لا فى غيرها، وأيضا ابن حجر العسقلاني(773 هـ - 852 هـ) في(فتح البارى شرح صحيح البخارى، 6/367و368)، قال:» وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها»، أو حسب: شهاب الدين القسطلانى (851 923 هــ) فى (إرشاد السارى فى شرح صحيح البخارى، 5/322):»حيث زينت لزوجها آدم عليه السلام الأكل من الشجرة، فسرى فى أولادها مثل ذلك، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو القول».
بغض النظر فقد وصلنا إلى نهاية المطاف وعلينا أن نقرر: هل المبررات التى تم تداولها بين المحدثين والمفسرين والشراح كافية لكى نصدق بأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذم حواء واتهم جميع النساء بالخيانة؟، إذا سلمنا جدلا بصحة ما نسب للرسول فى هذا الخبر، فكيف نعقل فكرة توريث الخيانة، نظن والله أعلم أن الخبر المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس صحيحا لسببين، الأول: أنه يخالف قوله تعالى: لا تزر وازرة وزر أخرى الزمر 7».
والسبب الثانى:أن الخبر يكرس لفكرة توريث الخطيئة التى جاءت فى المسيحية، والتى ترى أن المسيح ضحى بنفسه من أجل رفع عبء الخطيئة الأولى، التى انتقلت من آدم وحواء بفعل الوراثة إلى أولاده من بعده، عن كاهل البشرية، فضلا عن أن الخبر يقر برواية التوراة التى حملت حواء مسئولية الأكل من الشجرة المحرمة وخروج آدم من الجنة، وهو ما يخالف ظاهر ما جاء فى القرآن الكريم، حيث أنه عز وجل لم يفصل الواقعة، كما أنه عز وجل لم يخصصها.
على أية حال هذه الواقعة نتركها إجمالا لرموز وقيادات المؤسسات الدينية الحكومية، لكى يوضحوا لنا: هل ذم الرسول عليه الصلاة والسلام السيدة حواء؟، وهل اتهم جميع النساء بالخيانة؟، وهل الخيانة تورث عن طريق الولادة من الأم إلى الفتاة؟.