متى يحق للوالدين التدخل في قرارات الأبناء؟.. جمعة يوضح

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن "النذر" في الإسلام يشبه "اليمين" من حيث الالتزام؛ فهو ليس فرضًا في الأصل، لكنه يصبح ملزمًا إذا التزم به الإنسان بنفسه.
وأوضح جمعة، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أنه إذا نذر الإنسان أمرًا ما، وجب عليه الوفاء به كما لو كان قد أقسم بالله تعالى على فعله.
واستشهد بقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}، مبينًا أن في قصة امرأة عمران دلالة على جواز توجيه الوالدين لأبنائهم نحو مسار معين في الحياة، سواء كان ذلك في التعليم، مثل حفظ القرآن الكريم، أو دراسة اللغات، أو في التربية والتنشئة. وأكد أن الوالدين هما الأكثر حرصًا على مصلحة أبنائهم، والأقدر على تقدير ما يصلح لهم في مستقبلهم.
وأضاف، أن من الخطأ الاعتراض على هذا التوجيه تحت شعار "حرية الطفل"، لأن الشفقة والمسؤولية مغروستان بفطرة الله في قلبَي الأب والأم تجاه أبنائهما، وهو ما يجعل توجيههم نابعًا من حب وخوف على مستقبلهم لا من رغبة في السيطرة أو فرض الرأي.
كما أشار إلى أن من آداب الدعاء التي تُستنبط من الآية الكريمة، أن يكون الداعي على يقين بالإجابة، مع الاستعانة بأسماء الله وصفاته المناسبة للموقف، مثل قول امرأة عمران في دعائها: {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وفي سياق متصل، تناولت دار الإفتاء المصرية مسألة تربية الطفل الصغير على الإيمان والأخلاق، مؤكدة أن الإسلام جعل من أهم حقوق الطفل غرس الإيمان في نفسه منذ الصغر، وتعليمه أركان العقيدة، وترسيخ الأخلاق الحسنة والسلوك القويم فيه.
وشددت "الإفتاء" على أهمية تعليم الطفل حب الله ورسوله، وتعظيم الشعائر، والتدريب على العبادات والطاعات، إذ أن هذه المبادئ تمثل أساسًا راسخًا لسعادته في الدنيا والآخرة. واستشهدت بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
وأوردت دار الإفتاء حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الوارد في "الصحيحين"، عن أبي هريرة رضي الله عنه: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه"، دلالةً على مدى تأثير الوالدين في تشكيل العقيدة والقيم لدى الطفل.
كما نقلت حديث ابن عباس رضي الله عنهما في رواية الترمذي، حين قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
وفي سياق متصل، بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة توجيه الأطفال نحو الصلاة منذ سن مبكرة، فقال: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" (رواه أبو داود والترمذي).
وأكدت "الإفتاء" أن من الحقوق الواجبة على الوالدين تجاه أبنائهم، تأديبهم وتربيتهم تربية سليمة، لأن إهمال هذا الجانب قد يؤدي إلى انحرافهم في الكِبر، واستدلت بحديث الترمذي عن سعيد بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما نحل والد ولدًا من نحل أفضل من أدب حسن".
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على تعليم الأطفال وتوجيههم بلين ولطف، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في "الصحيحين"، حين أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة ووضعها في فمه، فقال له النبي: "كخ كخ" ليدفعه إلى طرحها، ثم قال: "أما شعرتَ أنّا لا نأكل الصدقة؟"، في موقف تربوي راقٍ يجمع بين التعليم والرفق.