بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

آداب المجالس في الإسلام.. كيف تحترم الإنسان قبل المكان

آداب المجالس في الإسلام
آداب المجالس في الإسلام

في وقت تتسارع فيه العلاقات وتضطرب فيه الأحاديث بين الناس، يعود الحديث عن "الاحترام" كقيمة أصيلة ومطلوبة في تعاملاتنا اليومية، لا سيما في المجالس العامة والخاصة، لتذكير النفس بما أراده الإسلام من سلوك الإنسان تجاه الآخر.

آداب المجالس في الإسلام


وقد أكّد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن احترام الآخر قيمة رئيسية في الدين، وسلوك لا يُستغنى عنه في حياة المسلم، مشيرًا إلى أن الشريعة لم تكتفِ بتأكيد هذه القيمة في المطلق، بل وضعتها في إطار عملي من خلال مجموعة من السلوكيات الراقية التي تُهذّب النفس وتُربّي الضمير.

احترام المجلس.. تفصيل دقيق من أجل تهذيب عميق

في حديثه، أوضح د. علي جمعة أن الشريعة نظّمت سلوك المسلم في مجلسه، إذ لا يجوز له أن يُقيم غيره ليجلس مكانه، ولا أن يفرق بين اثنين في مجلس دون إذنهما، كما ينبغي عليه أن يحفظ للغير موضعه إذا قام وتوقع رجوعه. هذه التعليمات قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل دلالات تربوية عميقة، تؤسس لاحترام الإنسان في التفاصيل الصغيرة، ما ينعكس على سلوكه العام في القضايا الكبرى.

فمن اعتاد على مراعاة الآخر في أمور دقيقة كالمجالس والمقاعد، يصعب عليه أن يُهين أحدًا أو يتعالى عليه في مواطن السلطة أو القوة. ولهذا قال جمعة: "إشارة واحدة فقط من عدم الاحترام، قد تتسبب في انفراط عقد الجماعة."

السنة النبوية.. نموذج تطبيقي للأدب الاجتماعي

وقد استشهد جمعة بجملة من الأحاديث النبوية التي تؤكد هذه السلوكيات، وتُظهر عناية النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتفاصيل الحياة الاجتماعية.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به» (رواه مسلم)،وفي حديث آخر:«لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما» (رواه أبو داود)،وفي حديث ثالث:«لا يُقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه فيجلس فيه» (رواه البخاري).

وتجلّى احترام النبي صلى الله عليه وسلم للمجالس وحقوق الأفراد فيها في موقفه مع الغلام الذي كان عن يمينه حين أُتي بشراب، إذ استأذنه أن يُعطي الأشياخ الجالسين عن يساره، فقال الغلام: "لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا"، فاحترم النبي رغبته، وناوله الشراب (رواه البخاري).

قيمة تُحيا لا تُقال فقط

ليست هذه الآداب مجرد تعليمات نظرية، بل هي أساس لبناء بيئة إنسانية تحترم الفرد، وتُربي النفوس على التواضع، وتمنع الغرور والتمييز والتنمر.
ففي مجلس بسيط، قد يولد كُرهٌ أو يتعزز وُدّ، وقد يشعر شخصٌ بالخذلان أو بالقبول، تبعًا لسلوكيات الحاضرين، ومدى احترامهم للآخر.

وفي زمن تكثر فيه التفرقة والعنصرية والتهميش، يُعيد لنا الإسلام توازنه التربوي من خلال مثل هذه المبادئ الدقيقة التي تغرس في النفس "الاحترام" كثقافة وسلوك يومي، لا كشعار يُرفع.