علي جمعة: يجوز للمرأة التعطر لكن بشروط

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن استخدام العطر بالنسبة للنساء جائز، لكن بشروط وضوابط يجب مراعاتها حتى لا يتحول الأمر إلى ما يخالف تعاليم الدين الإسلامي.
حكم استخدام النساء للبرفان
جاء ذلك ردًا على سؤال ورده خلال برنامج "نور الدين والدنيا"، حول حكم استخدام النساء للبرفان، حيث أوضح جمعة أن زينة المرأة قد شهدت تطورًا كبيرًا عبر العصور، ومع هذا التطور، ظهر تدهور في بعض الجوانب، مما أدى إلى تجاوز بعض الحدود التي وضعها الإسلام للحفاظ على العفة والاحتشام.
وأضاف عضو هيئة كبار العلماء أن العطر له أنواع ودرجات، وأنه مثل أي شيء آخر، إذا زاد عن الحد المسموح به، انقلب إلى ضده. وقال:
"إذا كان العطر من أنواع معينة، وتم وضعه بطريقة وكميات محددة، فإنه يظل في إطار الطيب المشروع، ولكن إذا أُفرط في استخدامه بشكل يلفت الأنظار، فقد يصبح أمرًا غير محمود، وله تبعات شرعية يجب مراعاتها."
ضوابط استخدام العطر للمرأة
أوضح جمعة أن المرأة بطبيعتها تميل إلى العناية بنفسها وتحب أن تكون نظيفة وذات رائحة طيبة، وهو أمر محمود ولا حرج فيه، طالما لم يكن القصد منه لفت الأنظار أو إثارة الفتنة، مشيرًا إلى أن الإسلام قد وضع قواعد واضحة لهذا الأمر، وأكد على أهمية النية في الأعمال.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، موضحًا أن النية تلعب دورًا أساسيًا في الحكم على الأمور، فإذا كان التعطر بغرض النظافة الشخصية أو الشعور بالراحة، فلا حرج فيه، أما إذا كان بغرض جذب انتباه الآخرين وإثارة الفتنة، فإن الأمر يخرج عن دائرة الجواز إلى دائرة التحريم.
تشبيه فقهي: العبرة بالنية وليس بالفعل فقط
وفي سياق توضيح أهمية النية، أشار جمعة إلى رأي الإمام الغزالي حول مسألة تتعلق بشرب الخمر، حيث ذكر أن هناك من شرب ماءً وهو يعتقد أنه خمر، مما أثار جدلًا بين الفقهاء حول ما إذا كان يستحق العقوبة أم لا.
وأوضح أن هناك رأيين في هذه المسألة:
- الرأي الأول: يرى أن الشخص قد وقع في الإثم بسبب نيته، حتى لو كان ما شربه في النهاية ماءً وليس خمرًا، لأنه أقدم على الفعل بنية ارتكاب المعصية.
- الرأي الثاني: يرى أن الله قد ستره، وأنه لم يرتكب المعصية فعليًا، لكنه يجب أن يتوب إلى الله عن نيته السيئة.
وأشار جمعة إلى أن هذا المثال يوضح قاعدة "الأعمال بالنيات"، حيث يكون الحكم على الفعل مرتبطًا بالقصد والنية التي دفعت إليه، مؤكدًا أن الأمر ينطبق أيضًا على استخدام العطر للمرأة، فإذا كانت نيتها سليمة ولم يكن هناك إفراط أو رياء، فلا بأس بذلك.
الفرق بين التعطر المشروع والتعطر الممنوع
التعطر المشروع:
- أن يكون بغرض النظافة الشخصية أو الشعور بالانتعاش.
- أن يكون في الأماكن الخاصة، مثل المنزل، أو بين النساء، أو للزوج.
- أن يكون بكمية معتدلة لا تثير الانتباه.
التعطر الممنوع:
- أن يكون الهدف منه جذب أنظار الرجال الأجانب.
- أن يكون بكمية مفرطة بحيث يلفت الانتباه في الأماكن العامة.
- أن يؤدي إلى إثارة الفتنة أو خروج المرأة عن حدود العفاف.
حكم التعطر في الإسلام بين التشدد والتيسير
تجدر الإشارة إلى أن بعض الفقهاء شددوا في مسألة تعطر المرأة خارج المنزل، استنادًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
"أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية." (رواه أحمد وأبو داود والترمذي).
إلا أن هناك اجتهادات أخرى ترى أن المقصود في الحديث هو التعطر المبالغ فيه، والذي يكون بقصد الإغراء وليس مجرد وضع العطر بطريقة معتدلة.
وبذلك يتضح أن الإسلام لا يمنع المرأة من التطيب، لكنه يضع لها ضوابط تحفظ بها حياءها وكرامتها، وتمنع أي استغلال غير مشروع لهذا الأمر.
الإسلام دين الاعتدال
أكد الدكتور علي جمعة في نهاية حديثه أن الإسلام دين يوازن بين الزينة والعفاف، فلا يحرم الطيب على المرأة، لكنه أيضًا لا يسمح باستخدامه بطريقة تؤدي إلى الفتنة أو المخالفة الشرعية.
وختم بدعوة النساء إلى اتباع تعاليم الدين بحكمة ووعي، وألا ينظرن إلى الأحكام الشرعية على أنها قيود، بل هي وسائل لحفظ كرامتهن وصون المجتمع من الفتن.