علي جمعة: السخرية والاستهزاء آفة تهدم القيم وتحطّم العلاقات

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن السخرية والاستهزاء من الأفعال المحرمة في الإسلام، لأنهما يؤديان إلى انتشار الكراهية والعداوة بين الناس. واستدل جمعة بقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} (الحجرات: 11).
وأكد جمعة أن السخرية قد تكون بالنظر باحتقار إلى الآخرين، أو بالكلام من خلال إبراز عيوبهم والنيل منهم، أو بالفعل كأن يقلّد أحدهم شخصًا في مشيته أو طريقة كلامه بهدف إضحاك الناس عليه.
وأوضح جمعة أن النبي ﷺ نهى عن مثل هذه الأفعال، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قامت بتقليد شخص أمام النبي ﷺ، فقال لها: «والله ما أحب أني حاكيت إنسانًا ولي كذا وكذا»، أي أنه لا يرغب في فعل ذلك ولو أعطي أموال الدنيا.
عاقبة السخرية في التاريخ الإسلامي
وأشار جمعة إلى أن التاريخ الإسلامي يذكر العديد من الأمثلة التي تبين عاقبة الاستهزاء، ومنها قصة الحَكَم بن أبي العاص الذي كان يسخر من النبي ﷺ بتقليد مشيته، فقام النبي ﷺ بنفيه من المدينة إلى الطائف، وبقي منفيًّا طوال حياة النبي ﷺ وأبي بكر وعمر، ولم يعد إلا في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
التحذير من معايرة الناس
حذر جمعة من خطورة معايرة الناس بأخطائهم، مشيرًا إلى قول النبي ﷺ: «من عيَّر أخاه بذنب قد تاب منه، لم يَمُت حتى يعمله»، موضحًا أن من يسخر من غيره قد يقع في نفس الذنب الذي عيّره به.
وأكد جمعة أن هناك حكمة شهيرة تعكس هذا المعنى، وهي: "لا تسخر من أخيك، فيعافيه الله ويبتليك"، مبينًا أن الاستهزاء بالآخرين قد يؤدي إلى انقلاب الحال، فيجد المستهزئ نفسه في نفس الموقف الذي كان يسخر منه.
المزاح المقبول والمرفوض
وأشار جمعة إلى أن الإسلام لا يمنع المزاح، لكن بشرط ألا يكون جارحًا أو مهينًا، مستشهدًا بمقولة سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "من مزح استُخف به"، أي أن الإفراط في المزاح قد يفقد الإنسان هيبته.
وأوضح جمعة أن النبي ﷺ كان يمزح لكنه لا يقول إلا حقًا، وكان يضحك حتى تظهر نواجذه (ضرس العقل). ومن أمثلة مزاحه ﷺ أنه قال لامرأة عجوز طلبت منه أن يدعو لها بدخول الجنة: «إن الجنة لا يدخلها عجوز»، فحزنت، ثم أوضح لها أن الله يعيد أهل الجنة شبابًا عند دخولهم، مستشهدًا بقوله تعالى:
{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} (الواقعة: 35-36).
كيفية التخلص من السخرية والاستهزاء
اختتم جمعة حديثه مؤكدًا أن ضبط اللسان هو مفتاح التخلص من السخرية، مشيرًا إلى حديث النبي ﷺ: «لا يَسْتَقيمُ إِيمانُ عبدٍ حتَّى يَستَقيمَ قلبُه، ولا يَسْتَقيمُ قلبُه حتَّى يَستَقيمَ لسانُه»، موضحًا أن استقامة اللسان لا تكون إلا باستقامة القلب.
وشدد جمعة على أن تذكر يوم الحساب هو أحد أهم العوامل التي تدفع الإنسان إلى ضبط سلوكه، مستشهدًا بقول بعض السلف: "الإيمان باليوم الآخر هو الذي يتحكم في سلوك الإنسان في الدنيا".
وأكد جمعة أن السخرية قد تبدو صغيرة لكنها قد تؤدي إلى ذنوب عظيمة، مستشهدًا بالمقولة الشهيرة: "معظم النار من مستصغر الشرر"، داعيًا إلى تجنب السخرية والاستهزاء، والالتزام بالكلام الطيب الذي يرضي الله ورسوله.