لست من أنصار المقولة الشائعة « ليس فى الإمكان أبدع مما كان» فدومًا هناك فرص للتجويد والتطوير، ودائما هناك ضرورة للإصلاح، وهذا ما ينقصنا فى مصر: أن نؤمن بقدراتنا على اللحاق بالدول المتقدمة، ونوقن بإمكانية التغلب على المشكلات المزمنة الموروثة منذ عشرات السنين.
أقول ذلك بعد قراءة وافية لتقرير المعهد القومى للحوكمة والتنمية المستدامة، والذى تناول تصنيف مصر عالميا فى مؤشرات الحوكمة.
والحوكمة كمصطلح عرفته مصر بعد الألفية الثالثة يعنى مجموعة المعايير والنظم التى يتم بموجبها إدارة المؤسسات والمنظمات والرقابة الفاعلة عليها، ويتسع المفهوم فى معناه الشامل ليشمل العمليات والتقاليد التى يتم من خلالها ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية، لتضم عمليات اختيار الحكومات ومراقبتها، وقيام الحكومة بوضع وتنفيذ السياسات العامة، واحترام المواطنين والدولة للمؤسسات التى تحكم التعاملات الاقتصادية والإجتماعية.
والخبر الجيد فى التقرير الأخير هو أن مصر تقدمت خلال عام 2020 ستة مراكز نتيجة بعض الإصلاحات الحكومية التشريعية والإجرائية، لكن الملاحظة الجديرة بالتسجيل والمتابعة هى أنه مازال أمامنا طريق طويل من التحديات والصعاب للتقارب مع الدول المتقدمة، وأننا قادرون على اجتيازه بإرادة وإيمان بضرورة الإصلاح الشامل.
لقد تقدمت مصر فى كثير من المؤشرات الفرعية ضمن التقرير، فقد ارتفع مؤشر الاستقرار السياسى وغياب العنف من 9 درجات سنة 2017 إلى 12.9 درجة عام 2019، كما ارتفع مؤشر فاعلية الحكومة من 29.3 إلى 36.5 خلال نفس الفترة. وحققت مصر أعلى مرتبة مئوية فى مؤشر سيادة القانون لتصل إلى 37.9% عام 2019 مقابل 32.7 % عام 2017.
فى الوقت ذاته، تراجعت مصر فى مؤشر حرية التعبير والمساءلة ليهبط الرقم من 13.3 عام 2017 إلى 8.4 فى العام الأخير، وثبت أداء مصر فى بعض المؤشرات الأخرى.
ويبدو أن التحسن المتحقق فى مستويات الحوكمة جاء نتاج أداء وجهود حكومية متواصلة، بدأت بصدور قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، ثم تشكيل لجنة للإصلاح الإدارى بقرار من وزير التخطيط، وإدخال مفهوم الإدارة الرشيدة فى كثير من المؤسسات الحكومية ودعم آليات المساءلة داخل بعض المؤسسات.
ورغم ذلك، فإنه مازال لدينا تحديات كبيرة ومشكلات مزمنة ربما أبرزها قضية حرية تداول المعلومات، خاصة أن هناك صعوبة شديدة فى توافر المعلومات والبيانات بشكل دورى وحديث.
فضلا عن أن نظم الرصد والمتابعة تعانى من تقادم التشريع الإحصائي، فالقوانين المعمول بها لا تشمل كافة المستجدات الحديثة فى هذا المجال. كذلك لا توجد مصادر تمويل كافية لعقد المسوح المتخصصة وفق خطط محددة للتعرف على مدى رضاء المواطنين عن الخدمات الحكومية وغيرها.
وهناك سمات مجتمعية معوقة للشفافية مثل سيادة ثقافة التعتيم فى مختلف الإدارات والمؤسسات العامة، ففى الغالب فإن تداول البيانات يقتصر على أفراد محدودين دون تفهم لمكاسب الشفافية والاعتراف بالخطأ.
وإذا كان من الضرورى هنا الإشادة بما تحقق فى مجال الحوكمة، فإن الأكثر ضرورة فى رأيى هو التوصية باستكمال الجهود لتحسين الأداء والتقدم بسرعة توازى توجهات الدولة للتحديث فى مختلف المجالات، وهو ما يدفعنا للتأكيد على ضرورة إصدار قانون الإدارة المحلية وتفعيل منظومة الشكاوى على المستوى المحلي، مع إعداد مؤشر وطنى لقياس مدى رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية، إلى جانب إنشاء وتفعيل وحدات المتابعة والتقييم فى مختلف الوزارات والمحافظات والهيئات العامة.
وسلامٌ على الأمة المصرية.