ماء النيل فيه «أمونيا» قاتلة
(لقد خلقت المياه العظيمة حتى يتمكن الفقير من استعمالها مثل الغني) عبارة موجودة في متون التوابيت المصرية.
(لم أتسبب في تعاسة
لم أترك جائعا
لم أتسبب في دموع
لم أقتل
لم أحرض على القتل
لم أعذب أحدا
لم ألوث ماء النهر) كلمات كتبها المصري القديم «حرخوف» على جدار مقبرته في أسوان.
المصري القديم متقدم بشكل كبير عن المصري المعاصر، أدرك «القديم» قيمة مياه النيل وعظمة هذا النهر، استلهم منه القدرة على صنع أول حضارة في التاريخ، استطاع أن يكون أول مهندس زراعي في التاريخ، ابتكر علوم الطب والهندسة والكيمياء والفلك.
أما في عصرنا الحاضر، فقد تكالبت فئة من المصريين على جلب وتراكم الأموال بأي طريقة، ولو كان فيها قتل أبناء وطنهم وتدمير صحة من بقي منهم على قيد الحياة.
هذا هو سر تلوث مياه النيل، أن تتكدس الأموال لدى بعض رجال الأعمال ولو على جثث الآخرين، أصحاب مصانع يلقون بالمخلفات ليل نهار في النيل، ومالكو أقفاص سمكية يملأون النهر بالسموم ولا أحد منهم يبالي بالمصير المؤلم الذي ينتظر أقاربه وجيرانه وأبناء بلده.
ازدادت نسبة مادة الأمونيا في نهر النيل عن الحد المسموح به والذي يبلغ 0٬5 مللي جرام في اللتر لتصل إلى 5.5 مللي جرام في اللتر عند محطة إدفينا (المصري اليوم- 9 فبراير 2014).
مشكلة تلوث مياه النيل ونفوق آلاف الأطنان من الأسماك خلال الفترة الأخيرة ليست جديدة، وإنما ترجع إلى سنوات بعيدة، بدأت بالمصانع ثم أضيفت إليها المزارع السمكية. نفوق الأسماك لم يكن وليد عام 2014، ويمكننا أن نعود إلى عام 2010 لنتذكر كارثة موت نحو 60 طنا من الأسماك في بحيرة المريوطية، ليكشف لنا الدكتور فتحي سعد -محافظ 6 أكتوبر في ذلك الوقت- أن السبب يرجع إلى الصرف الصحي والصناعي الصادر من شركة سكر الحوامدية ومحطة الصرف الصحى لمدينة الحوامدية، ويقول في اجتماعه مع أعضاء المجلس الشعبى المحلى للمحافظة إن نسبة غاز الأمونيا فى الترعة وصلت إلى 20 ضعفا.
يرى البعض أن الحكومة لجأت إلى الحل السهل عندما قرر محافظا البحيرة وكفر الشيخ إزالة الأقفاص السمكية، ويقولون إن المياه هي السبب في موت الأسماك وإن من الظلم الإضرار بأرزاق الصيادين، ولكن الحقيقة أن هذه الأسماك تتسبب
النيل نعمة عظيمة حولها بعض رجال الأعمال إلى نقمة عظيمة، خانوا الأمانة، لوثوا ماء النهر، يستحقون الإعدام ألف مرة لأنهم ارتكبوا آلاف جرائم القتل بإزهاق أرواح المصريين والقضاء عليهم بالأمراض. ولأن معهم الأموال الطائلة التي سرقوها من الفقراء فإنهم لا يشربون من النيل، لنصل إلى أن الغني سلب الفقير نعمة المياه العظيمة التي أدرك المصري القديم أهمية التساوي فيها.