رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

رادار

نعشق زخّات الحياة.. إذا ما استطعنا إليها سبيلًا. فالدنيا فى حقيقتها العميقة، ليست سوى رحلة قصيرة فى زمن مستعار، نمنح فيها الفرصة لاختبار ذاتنا قبل أن نغادر بصمت، يدخلها الإنسان ضعيفًا، بلا اختيار ويخرج منها بلا استئذان. وبين الميلاد والرحيل ينسج وهم السيطرة كأن الزمن خلق من أجله وخاضع له.. نحن نعشق زخّات الحياة، تلك اللحظات الخاطفة التى تمنحنا شعورًا مؤقتًا بالزهو والعظمة والامتلاء، فنركض خلفها بشغف غير مدركين أنها لا تمسك، وأن السعى المحموم نحوها قد يسلبنا أكثر مما يمنحنا.

تغوى الدنيا الإنسان ببهارجها فتجعله يخلط بين القيمة والسعر وبين المعنى والمظهر.. يظن أن المال يضمن الطمأنينة، وأن السلطة تصنع الهيبة، وأن الشهرة تحقق الخلود، فإذا به يكتشف متأخرًا أن كل ذلك قابل للزوال فى لحظة ومع كل انكسار، تتراكم الأسئلة المؤجلة لماذا لم نشبع؟.. لماذا لم نهدأ؟.. ولماذا كلما امتلكنا أكثر ازداد شعورنا بالفقد؟.. الحقيقة المؤلمة أن الدنيا لا تعطيك ذاتها، بل تعطيك اختبارًا لقدرتك على الفهم والتجرد.

فى زحام الحياة يتوه الإنسان بسهولة.. تضيع البوصلة حين تتحول الوسيلة إلى غاية، وحين يصبح الصراع هو اللغة السائدة، نتصارع على أشياء لا تبقى، ونخاصم من أجل مكاسب لا تساوى وزن الخسائر التى تخلفها فى أرواحنا، تهدر الأعمار فى سباق محموم، ويقاس النجاح بعدد ما نملك لا بسلام ما نحمله فى الداخل. وهكذا يتحول الإنسان من صانع للحياة إلى ضحية لها، ومن شاهد على الجمال إلى مقاتل فى معركة لا طائل منها.. الدنيا ليست شرًا خالصًا، لكنها امتحان قاسٍ لمن لا يفهم طبيعتها. هى ممر لا مقر وظل زائل لا يبنى عليه يقين.. من جعلها هدفه خسرها وخسر نفسه، ومن جعلها وسيلة عبرها بسلام. المشكلة ليست فى الفقر ولا فى الغنى، بل فى التعلق، ذلك الحبل الخفى الذى يلتف حول القلب حتى يخنقه، بينما صاحبه يظن أنه يتشبث بالأمان.

نحن نعشق زخات الحياة لأنها تذكرنا بأن الجمال موجود لكنه مؤقت، نحب الضحكة العابرة واللحظة الصافية والانتصار الصغير، غير أننا نخطئ حين نمنح العابر قيمة الدائم.. فالحياة لا تقاس بطولها، بل بعمقها، ولا بما جمعناه بل بما تركناه خلفنا من أثر إنسانى صادق.

أيها الإنسان المتهاوى فى هذه العالم المتهاوى، اعلم أن الدنيا لا تهزم بالقوة، بل بالفهم، ولا تروض بالامتلاك، بل بالزهد الواعى.. من عرف أنها فانية لم يحزن لفقد، ولم يتكبر بمكسب، ولم يبع ضميره بثمن.. فاختر أن تكون عابرًا خفيفًا لا مقيمًا مثقلًا وازرع فى طريقك ما يبقى بعدك، لأن كل شيء فى هذه الدنيا يرحل.. إلا الأثر فإنه وحده ينجو من الفناء.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

 

[email protected]