"الترامادول" و"الشابو".. جيلٌ يضيع بين المقابر والسجون في المنيا
في قلب المنيا، حيث يلتقي نهر النيل بالبيوت الطينية التي تعبق برائحة الخبز والدخان، تسكن الحكايات خلف الجدران كأسرارٍ موجعة، مدينةٌ مزدحمة بالحياة؛ لكنها تئنّ بصمتٍ من وجعٍ خفيٍّ يلتهم أبناءها واحدًا تلو الآخر، في الأزقّة الضيّقة، تُباع “اللفة” في الخفاء، وتُتداول الحبوب كما تُتداول التحيات.
كلّ شيء يبدو عاديًّا من الخارج: مقاهٍ مكتظة، ضحكاتٌ متقطعة، شبابٌ يجلسون على الكراسي البلاستيكية؛ لكن خلف كل ضحكةٍ هناك انهيار، وخلف كل عينٍ تلمع، هناك عقلٌ يُطفئه السمّ ببطء. المخدّرات لم تعد “عادة” سيئة، بل صارت حربًا صامتةً على الوعي، على الأسرة، وعلى المستقبل ذاته.
الحكاية التي بدأت بفضولٍ وانتهت بالخراب
يقول “أحمد” نجّارٌ في منتصف الثلاثين — وهو يجلس في مركز علاج الإدمان، صوته مبحوحٌ كمن خرج من معركةٍ خاسرة :"كنت راجِل على قدّي… أشتغل طول اليوم وأرجع لعيالي فرحان. أول مرة أخدت ترامادول كانت عشان التعب… وبعدها، بقيت أعيش عشانه ، كنت فاكرني بسيطر، لحد ما الترامادول هو اللي سيطر عليّ."
يبتسم ابتسامةً باهتة ثم يكمل:"في يوم، ابني الصغير عيّط عشان عايز مصروف… ضربته لحد ما وقعت عليه، وما فهمتش أنا بعمل إيه ، يومها مات جوايا كلّ شيء." في تلك اللحظة، لم يبكِ أحمد، لأن من أدمن لا يملك دموعًا، بل يملك فراغًا، زوجته غادرت البيت، وابنه لم يعد يناديه “بابا”، وصار أحمد يعيش وحيدًا بين الحيّطان التي تشهد على سقطته كلّ يوم.
سارة.. حين أحرقت السعادة وجهها
في زاويةٍ من مركزٍ آخر، تجلس “سارة” بثيابٍ بسيطة، وشعرٍ منكوشٍ، وعينين مطفأتين. كانت يوماً طالبة متفوّقة، الأولى على دفعتها، تحلم بالطبّ، وبأن تُنقذ الناس من المرض، لكنّها لم تعرف أنّها ستصبح المريضة نفسها.
تقول بصوتٍ مرتجف:"كنت في حفلة جامعة، قالولي جرّبي البانجو، بس سيجارة واحدة. كنت عايزة أضحك، أهرب شوية من الضغط والمذاكرة. بعد كده ما بقيتش أقدر أعيش من غيره." باعَت هاتفها لتشتري الجرعة، ثم باعت كتبها، ثم باعت نفسها مرّة؛ فقط لتحيا بضع دقائق في غيبوبةٍ لا تشبه الحياة.والآن، وهي في غرفة العلاج، تنظر إلى أمّها خلف الزجاج وتهمس: "أنا آسفة يا ماما… كنت عايزه أكون دكتورة، بقيت حالة."
الأسواق السوداء في وضح النهار
رجل سبعيني من مركز بني مزار يقول ، في المنيا، يُباع قرش الحشيش بــ 1000جنيه، وشريط الترامادول بــــ 1500 جنيها، والهيروين بالآلاف ، وذلك بحسب المدمنين، لكن أغلى من كل ذلك هو الشابّ الذي يُباع وعيه مقابل لحظة “نشوة”.الشابّو أو “الكريستال ميث” صار سيّد السُموم، يذيب خلايا المخّ، ويحوّل الإنسان إلى كائنٍ هائجٍ لا يعرف الرحمة. بعضهم يهلوس فيضرب أبناءه أو يهاجم الجيران، وبعضهم ينتهي في الشارع بلا ذاكرةٍ ولا عقل.
تقول أمٌّ خمسينية من مركز دير موّاس:"ابني كان طيب، مصلّي، بيحبّ أخواته، يوم خد الحبوب دي، ما بقاش يعرفنا، حاول يطعن أبوه، وقال إننا غرب "منذ ذلك اليوم، لم تعد تنام ، تجلس عند الباب كلّ ليلة تنتظر أن يعود “ولدها القديم”، لكن القادم كل مرة هو شخصٌ آخر، غريب، بعينين جامدتين، وجسدٍ منهكٍ يترنّح كظلٍّ ضائع، وتضيف أن الكارثة ان هناك داخل السجون من يقوم بتسريب المواد المخدرة للمسجونين، نعم هذا يحدث ويتم من خلال رقم محمول داخل مركز الشرطة يتم تحويل كارت شحن على هذا الرقم ويقوم بتبديل التحويل بمواد مخدرة وسجائر ، الأمر جلل خطير، فإذا كانت المواد المخدرة تصل للمساجين داخل السجن، فكيف سنقيم ميزان العدل في الشارع، وكيف نجتث جذور المواد المخدر ة.
رجالات الشرطة الشرفاء ونحسبكم جميعا على ذلك، وجاحد من ينكر جهودكم البطولية في محاولات التصدي لتجار المخدرات والمدمنين ، فتشوا أسفل الكباري العليا والمحاور، فتشوا داخل العشش المهجورة الزراعات المتاخمة للمناطق السكنية ستجدون طوابير من المدمنين يتعاطون كافة أنواع المخدرات؛ اجتثوا المخدرات تقل حالات السرقات بالإكراه والاغتصاب والقتل، المخدرات أم المشاكل طالما وجدت بين أيدي المدمنين
عندما يسقط البيت.. يسقط المجتمع
الإدمان ليس مرض فردٍ، بل مرض عائلةٍ بأكملها.الأمّ تُخبّئ المال في دُرج الدقيق، الأب يبيت في الشارع خوفًا من مواجهة ابنه، والأطفال يكبرون على رائحة الخوف. يُصبح البيت ساحة حربٍ، لا تُسمع فيها سوى صرخاتٍ مكتومةٍ وذكرياتٍ مكسورة.
كلمة الدين والعقل
قال الله تعالى :"و لا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" الإدمان حرامٌ لأنه يُهدر العقل الذي كرّم الله به الإنسان ، لكن الدين لا يغلق باب الرحمة، بل يفتحه على مصراعيه أمام التائبين.من عاد إلى الله نجا، ومن تجاهل صرخات ضميره هلك.
نداء من القلب إلى الأجهزة الأمنية
يا من تحرسون الوطن من الشرّ، إضربوا ييد من حديد على أيدي المدمنين والمروجين والتجار للمخدرات بكافة أنواعها ، شدّوا الحيل ، كثّفوا الحملات على المقاهي، راقبوا الموزّعين في القرى، واغلقوا منافذ السمّ قبل أن تبتلع جيلاً كاملًا ، لكن لا تنسوا أن وراء كل مدمنٍ إنسان، وأن وراء كل توبةٍ فرصة لحياةٍ جديدة ، نقدر جهودكم في ربط تحليل المخدرات للسائق عند الترخيص والحملات المرورية والأكمنة ، ولكن هل يطمع الشعب من الحكومة ، أن تضع شرط قبول المرحلة الثانوية بتحليل المخدرات
_ رأي الطبّ... والرحمة الممكنة ..
يقول احد اطباء وأخصّائي علاج الإدمان بالمنيا "المخدّرات تغيّر كيمياء المخّ وتُحدث خللاً في إدراك الزمن والواقع. المدمن لا يملك السيطرة، بل يعيش في دوّامةٍ من الوهم والهلوسة والعنف."ويضيف:"الترامادول والشابّو يدمّران خلايا الدماغ، ويسبّبان نوباتٍ من الهياج قد تصل إلى القتل. العلاج ممكن، لكنّ الصمت أخطر من المرض."
_ ناقوس الخطر يدقّ ..
المنيا اليوم تقف على حافّة الهاوية ، في كلّ حيٍّ حكاية، وفي كلّ بيتٍ مآساة ، جيل كامل يُساق إلى المقابر أو السجون باسم "النشوة". فلنكن جميعًا — أسرًا، مدارس، مساجد وكنائس، إعلامًا وأطباء — في صفٍّ واحدٍ ضدّ هذا العدوّ الخفيّ. لأن من يضيع اليوم هو ابننا جميعًا، ولأنّ المعركة ليست على المخدّرات فقط… بل على مستقبل الإنسان نفسه .
