المختبر الحي للقمح.. خطوة جديدة لربط البحث العلمي بالمزارع وتحقيق طفرة في الإنتاج
في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه قطاع الزراعة، وعلى رأسها الأمن الغذائي وتقلبات المناخ وارتفاع تكاليف الإنتاج، بات تطوير منظومة المحاصيل الإستراتيجية ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل.
ويأتي القمح في مقدمة هذه المحاصيل، باعتباره حجر الزاوية في الغذاء المصري، وعنصرًا أساسيًا في معادلة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا، تتجه الدولة إلى تبني أدوات حديثة تتجاوز الإرشاد التقليدي، وتسعى إلى نقل نتائج البحث العلمي من المعامل إلى الحقول، ومن الأوراق البحثية إلى التطبيق العملي، في إطار رؤية متكاملة لتعظيم الإنتاج وتحسين الجودة وتقليل الفاقد.
وفي هذا السياق، يبرز إطلاق «المختبر الحي لسلسلة قيمة القمح» كأحد النماذج المبتكرة التي تعكس توجه وزارة الزراعة نحو تعزيز التواصل المباشر مع المزارعين، وربط جميع أطراف المنظومة الزراعية في مسار واحد، بما يضمن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الإمكانات المتاحة.
توجيهات وزارية ونقلة في الإرشاد الزراعي:
قال الدكتور خالد جاد، وكيل معهد بحوث المحاصيل الحقلية بوزارة الزراعة، إن إطلاق المختبر الحي لسلسلة قيمة القمح يأتي تنفيذًا لتوجيهات وزير الزراعة، الهادفة إلى زيادة النشاط الإرشادي وتفعيل آليات الوصول المباشر إلى المزارعين في مواقعهم.
وأوضح أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو تقليص الفجوة بين البحث العلمي والتطبيق الحقلي، بما يسهم في رفع كفاءة الإنتاج وتحسين دخل المزارع.
وأكد أن مصر تحتل المرتبة الثانية عالميًا في إنتاجية وحدة المساحة من القمح، وهو إنجاز يعكس الجهود البحثية المبذولة خلال السنوات الماضية، إلا أن التحدي الحقيقي يتمثل في تعميم هذه الإنتاجية على الحقول الإرشادية وحقول المزارعين بنفس كفاءة الحقول البحثية، وهو ما يسعى إليه المختبر الحي بشكل مباشر.
أوضح وكيل معهد بحوث المحاصيل الحقلية أن المختبر الحي يعتمد على أحدث النماذج العالمية المعروفة باسم «Living Lab»، والتي تقوم على مبدأ جمع جميع أطراف سلسلة القيمة في مكان واحد.
وأشار إلى أن هذا النموذج يضم المزارع، والمرشد الزراعي، والباحث، إلى جانب تجار المبيدات والأسمدة، والمصنعين، وممثلي وزارة التموين، بما يتيح حوارًا مباشرًا وتفاعليًا بين جميع الأطراف، ويساعد على رصد المشكلات الحقيقية على أرض الواقع والعمل على حلها بشكل جماعي وعملي.
سلسلة متكاملة من الحقل إلى المستهلك:
وأكد الدكتور خالد جاد أن المختبر الحي يضمن تغطية سلسلة قيمة القمح بالكامل، بدءًا من تجهيز الأرض والزراعة، مرورًا بعمليات الخدمة والحصاد، ووصولًا إلى التوريد والتصنيع والاستهلاك.
ولفت إلى أن مشاركة المصنعين أسهمت في توضيح احتياجاتهم من الصفات الفنية والجودة المطلوبة في القمح، بما ينعكس على برامج التربية والاختيار، بينما أتاح وجود ممثلي وزارة التموين مناقشة تحديات التوريد والشون ومواصفات الاستلام، وهو ما يقلل من الفجوات بين حلقات السلسلة المختلفة.
وأوضح وكيل المعهد أن هذا النموذج التشاركي يسهم في تقليل الهدر، وتحسين كفاءة استخدام المدخلات الزراعية، ورفع جودة المنتج النهائي، فضلًا عن تعزيز ثقة المزارع في التوصيات الفنية الصادرة عن الجهات البحثية، وأضاف أن المختبر الحي يمثل منصة عملية لتبادل الخبرات، وليس مجرد نشاط نظري أو توعوي.

