عبد الحليم قنديل: عبد الناصر رحل وترك دولة بلا ديون ومعتقلين سياسيين
كشف الكاتب والمفكر السياسي عبد الحليم قنديل، عن ملامح مُغايرة لشخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في سنواته الأخيرة، مؤكدًا أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر شرع في هدم دولة الاستثناء لبناء دولة المؤسسات، رغم معارضة الدائرة المحيطة به.
وحول نهاية المشير عبد الحكيم عامر، وصفها عبد الحليم قنديل، خلال لقائه مع الإعلامي عمرو حافظ، ببرنامج “كل الكلام”، المذاع على قناة “الشمس”، بأنها اللحظة التي قرر فيها جمال عبد الناصر استئصال الورم الذي تسبب في هزيمة الجيش، وبالرغم من الجدل المستمر حول موته (انتحاراً أم نحراً)، أكد أن تحقيقات النيابة برئاسة قامات قانونية مثل الدكتور عصام حسونة، والنائب العام آنذاك، حسمت الأمر بأنه انتحار، معقبًا: "من يروجون لفكرة النحر يحرمون المشير عبد الحكيم عامر من الشرف العسكري الوحيد المتبقي له، وهو تقليد القادة المهزومين بالانتحار، فقد ظل المشير عبد الحكيم عامر متمسكًا بالجيش حتى النفس الأخير، لكن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد حسم قراره بتطهير الجبهة".
وكشف عبد الحليم قنديل، عن واقعة تاريخية قد تُغير نظرة الكثيرين للنظام الناصري؛ حيث طلب جمال عبد الناصر في يناير 1968 التحول من نظام "التنظيم السياسي الواحد" إلى "التعددية الحزبية" وإجراء انتخابات حرة، والمفاجأة كانت في هوية المعارضين؛ حيث جوبه القرار برفض قاطع من رفاقه في اللجنة التنفيذية العليا، وكان محمد أنور السادات أبرزهم، مبررًا ذلك بأن الجماهير خرجت لجمال عبد الناصر وحده ولا بديل عن قيادته المُطلقة حتى إزالة آثار العدوان، ومع ذلك، بدأ جمال عبد الناصر خطواته بتشكيل لجنة للدستور الدائم برئاسة الدبلوماسي العظيم محمود فوزي.
وفنّد الصورة الذهنية الشائعة عن المعتقلات في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عند رحيله، مؤكدًا أن الرئيس جمال عبد الناصر أعلن صراحة "سقوط دولة المخابرات" بعد قضية انحراف الجهاز الشهيرة، وأحال صلاح نصر للمحاكمة حيث حُكم عليه بـ40 عامًا، وعند رحيل جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970، لم يكن في سجون مصر سوى 273 معتقلًا فقط، أغلبهم متهمون في قضايا تجسس لصالح إسرائيل، بعد أن أفرج تباعًا عن المعتقلين السياسيين من الشيوعيين والإخوان، مؤكدًا مقولته الشهيرة: "رجل مثلي لا يشرفه أن يكون لديه معتقلون".
وأشار إلى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يُسابق الزمن في سنواته الأخيرة؛ لشعوره بأن العمر لن يمتد به طويلًا بسبب مضاعفات مرض السكري الذي أصابه منذ عام 1958، وكان يُخطط لترك مصر دولة مؤسسات لا دولة فرد، وهو ما يُفسر إصراره على الإصلاحات الهيكلية والقانونية التي جرت بين عامي 1967 و1970، ليرحل تاركًا خلفه جيشًا مستعدًا للعبور ونظامًا يبحث عن ملامحه الدستورية الجديدة.
وكشف عن حقائق اقتصادية وسياسية مذهلة تزامنت مع رحيل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970، مؤكدًا أن التجربة الناصرية، رغم قصر وعائها الزمني، تركت خلفها دولة ذات سيادة اقتصادية كاملة وقاعدة إنتاجية هي الأعلى في تاريخ مصر الحديث.
واستعرض عبد الحليم قنديل، مؤشرات اقتصادية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وُصفت بـ"الذهبية"، مستشهدًا بحديث سابق للرئيس عبد الفتاح السيسي أكد فيه أن مصر عام 1970 لم تكن مديونة بـ"مليم واحد" للخارج، وقوة الجنيه المصري كان تُعادل (2.5 دولار)، موضحًا أن راتب الخريج الجديد آنذاك كان 18 جنيهًا كان يوفر مستوى معيشة يعادل من يتقاضى اليوم 30 ألف جنيه، قياسًا بأسعار السلع الأساسية مثل اللحوم التي كانت بـ 28 قرشًا.
وعلى صعيد الإنتاج، كشف الكاتب والمفكر السياسي عبد الحليم قنديل، عن رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ مصر، حيث وصل إنتاج القطن عام 1969 -أي بعد النكسة بسنتين- إلى قرابة 11 مليون قنطار، وهو ما يُعادل 55 ضعف الإنتاج الحالي، مما وفر لمصر سيولة من العملة الصعبة وعزز استقلالها السياسي.
أما عن القوة الناعمة، أوضح أن مصر كانت "هوليوود الشرق" بلا منازع، بإنتاج سينمائي وصل إلى 76 فيلمًا في العام الواحد، مع سيادة إعلامية وثقافية امتدت من المحيط إلى الخليج، بل وصلت أصداؤها إلى أمريكا اللاتينية وفنزويلا التي لا يزال مواطنوها يرفعون شعارات الناصرية حتى اليوم.
ولفت إلى أن القدر لم يمنح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الوقت الكافي لنضج تجربته السياسية وتحولها إلى استقرار مؤسسي كامل، حيث رحل في سن الـ52 عامًا، لكنه ترك خلفه نموذجًا للدولة التي ترعى الأغلبية الكاسحة، وتلتزم بتعيين الخريجين، وتضع كرامة المواطن المعيشية فوق كل اعتبار.
