عبد الحليم قنديل: المشير عبد الحكيم عامر أدار الجيش بمنطق شيخ القبيلة
قال الكاتب والمفكر السياسي عبد الحليم قنديل، إن شاعر العرب الأكبر الجواهري رثى الزعيم جمال عبد الناصر قائلًا: “عظيم المجد والأخطاء”، واصفًا مسيرة الزعيم جمال عبد الناصر بأنها امتلأت بالانتصارات الكبرى، لكن شابتها أخطاء لا تقل ضخامة، ولعل أبرز تلك الأخطاء كما تكشف الأوراق والشهادات التاريخية كانت التمسك بصديقه الحميم المشير عبد الحكيم عامر في منصب القائد العام للقوات المسلحة، رغم توالي الإشارات المُنذرة بالكارثة.
وأوضح عبد الحليم قنديل، خلال لقائه مع الإعلامي عمرو حافظ، ببرنامج “كل الكلام”، المذاع على قناة “الشمس”، أن الأوراق التي كتبها جمال عبد الناصر بخط يده، وظهرت في مذكراته الأخيرة، تُشير إلى إدراك مبكر بأن أساليب الحرب قد تجاوزت مهارات "جيل الضباط الأحرار" الذين عاصروا الحرب العالمية الثانية، وكان جمال عبد الناصر يرى ضرورة الدفع بأجيال متعلمة تقود الجيش بعقلية حديثة، إلا أن روح العمدة ونفوذ شيخ القبيلة التي طغت على أداء المشير عبد الحكيم عامر حالت دون ذلك، ولم يكن المشير عبد الحكيم عامر قائدًا عسكريًا بالمعايير المهنية، بل كان يُدير القوات المسلحة بمنطق الولاءات الشخصية.
وأشار إلى أن المشير عبد الحكيم عامر كان سببًا مباشرًا في ضياع "حلم الوحدة" مع سوريا؛ فبسبب رغبته في السيطرة، أزاح القيادات السورية العارفة بطبيعة بلادها مثل عبد الحميد السراج، وعيّن بدلاً منهم رجاله، وعلى رأسهم عبد الكريم النحلاوي الذي انقلب لاحقًا وقاد الانفصال، موضحًا أنه رغم تقديم عامر استقالته ثلاث مرات بعد العدوان الثلاثي، وبعد الانفصال، وفي أزمات أخرى، إلا أن نقطة ضعف الزعيم جمال عبد الناصر تجاه صداقة العمر كانت تُعيد المشير عبد الحكيم عامر دائمًا إلى مقعده، ضاربًا بعرض الحائط نصائح أعضاء مجلس قيادة الثورة مثل البغدادي وكمال الدين حسين والسادات الذين طالبوا مرارًا بإزاحته.
وأكد أن المشير عبد الحكيم عامر نجح في بناء سياج حول الجيش، وعزل الرئيس جمال عبد الناصر تمامًا عما يجري داخله، حتى عندما حاول الزعيم جمال عبد الناصر فرض الفريق محمد فوزي رئيسًا للأركان كخطوة إصلاحية، استطاع المشير عبد الحكيم عامر بمساعدة شمس بدران تهميش الفريق محمد فوزي وعزله داخل مكتبه، لتظل القيادة غارقة فيما أسماه ناصر في أوراقه بـ"الجهالة المُطلقة".
ولفت إلى أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان يخشى انقلاب الرجل الثاني، وهي ظاهرة كانت متفشية في حركات التحرر الوطني آنذاك مثل سوكارنو في إندونيسيا، وهذا التخوف السياسي، مضافًا إليه الوفاء الشخصي، جعل جمال عبد الناصر يتردد في استئصال نقطة الضعف الهائلة في قيادة الجيش، حتى وقعت الواقعة في يونيو 1967.
وأكد أنه لم يكن انهيار يونيو عسكريًا فقط، بل كان نتيجة مباشرة لصراع مكتوم بين دولة المؤسسات التي حاول جمال عبد الناصر بناءها، ودولة مراكز القوى التي أحاط بها المشير عبد الحكيم عامر نفسه، ليظل درس تقديم الولاء على الكفاءة هو الأقسى في تاريخ العسكرية المصرية الحديثة.