رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

يأتي دولة التلاوة في سياق إعلامي محمل بالحنين إلى عصر القراء الكبار، ومحاولة لاستعادة حضور التلاوة القرآنية في الوعي العام بعد سنوات من التراجع أمام موجات الترفيه السريع. ومن حيث المبدأ، فإن أي جهد يبذل لخدمة القرآن وإعادة الاعتبار للصوت المصري في التلاوة، هو جهد محمود تشكر عليه النوايا. غير أن النقد هنا لا يستهدف النيات، بل يقف عند المنهج، والآليات، والنتائج، لأن القرآن الكريم أعلى قدرا من أن يختزل في قالب لا يليق بجلاله، أو يدار بعقلية البرامج التنافسية.
أولا: فكرة البرنامج بين الإحياء والتقليد:
يحاول البرنامج أن يقدم نفسه بوصفه مشروعا لإحياء الدولة المصرية في "التلاوة"، تلك التي خرجت عمالقة تركوا بصماتهم في وجدان الأمة. غير أن الفكرة - في جوهرها - تستعير منطق برامج المواهب أكثر مما تستلهم روح الكتاب والمدارس القرآنية؛ فالقرآن ليس موهبة تقاس بالتصويت، ولا تلاوة تحاكم برد فعل لحظي، بل علم وصنعة وتربية طويلة النفس.
الخلل هنا أن البرنامج ينقل التلاوة من محرابها الطبيعي المسجد الكتاب الشيخ والمريد إلى مسرح تلفزيوني تحكمه الكاميرا والزمن والإبهار البصري، فيفقد القارئ جزءا من طمأنينته، ويفقد المستمع كثيرا من الخشوع.
ثانيًا: لجنة التحكيم ... بين الخبرة والسلطة:
لا شك أن أعضاء لجان التحكيم يملكون خبرات معتبرة، لكن الإشكالية ليست في الأشخاص بقدر ما هي في مفهوم التحكيم ذاته؛ فالقرآن لا يقرأ ليحاكم، ولا ليقارن قارئ بآخر مقارنة رقمية أو لحظية. كثير من الملاحظات التي تقال أمام الجمهور - وإن كانت فنية صحيحة - تقال في غير سياقها التربوي، فتتحول من توجيه علمي إلى إحراج علني، ومن تقويم رحيم إلى سلطة ضاغطة.
كما أن اختلاف المدارس في الأداء والمقامات يجعل الحكم الواحد احيانا ذوقنا لا علميا، وهو ما يربك المتلقي، ويريك القارئ الناشئ.
ثالثًا: الاستعراض الإعلامي وغياب السكينة:
أخطر ما في البرنامج هو تغليب الصورة على المعنى. الإضاءة، والموسيقى المصاحبة، وحركات الكاميرا، وتصاعد الإيقاع ... كلها عناصر تنتمي لعالم الترفيه، لا لعالم التلاوة. القرآن يحتاج إلى سكون لا إلى ضجيج، وإلى بساطة لا إلى بهرجة. وكلما زاد الإخراج تعقيدا، قل حضور الخشوع في قلب المشاهد، مهما كان الصوت جميلاً.
لقد تعلمنا التلاوة من شيوخ كانت أدواتهم ميكروفونا بسيطا ووجها متجها إلى السماء، وقلبا حاضرًا. فلماذا نصر اليوم على أن نقدم القرآن وكأنه عرض تلفزيوني؟
رابعًا: اختزال المدرسة المصرية في أصوات ناشئة:
المدرسة المصرية في التلاوة ليست أصواتا فقط، بل منهج. وأخلاق، وسلوك، وفهم للمعنى، وتوفير للكلمة. والبرنامج - رغم حسن النية - يقدم صورة مختزلة، توحي بأن "الدولة" تبنى في موسم واحد، وباختيارات سريعة، وبتتويج إعلامي، بينما الحقيقة أن القراء الكبار صنعوا عبر عقود من الملازمة، والتلقي، والخفاء قبل الشهرة.
خامسا: أثر البرنامج على القارئ والجمهور:
على القارئ: يزرع البرنامج - دون قصد - روح التنافس على الشهرة، لا على الإتقان، ويجعل القارئ أسير رأي اللجنة والجمهور لا میزان العلم والقبول عند الله.
على الجمهور: يربك الذوق العام، ويحول التلاوة إلى مادة للمقارنة والتفضيل السريع، بدل أن تكون بابا للسكينة والتدبر.
سادسًا: ما الذي نحتاجه بدلًا من ذلك؟
النقد لا يكتمل دون اقتراح بديل، ومن هنا يمكن القول إن خدمة القرآن تحتاج إلى:
برامج تعليمية هادئة تشرح المقامات والأحكام دون منافسة.
توثيق حقيقي للمدرسة المصرية عبر سلاسل وثائقية جادة.
دعم الكتاب والمساجد بدل الاكتفاء بالمنصات الإعلامية.
إعادة الاعتبار لفكرة أن القارئ خادم للقرآن لا نجمًا تلفزيونيًا.
خاتمة:
إن دولة التلاوة ليست برنامجًا، ولا موسمًا ولا لقبًا يمنح على شاشة، بل تاريخ وروح ومنهج. وإذا كان الهدف حقًا هو خدمة القرآن، فإن أول الخدمة هو إخراجه من منطق الاستعراض، وإعادته إلى مقامه الأصيل كلام الله الذي يتلى بخشوع، لا الحاكم، ويسمع للتزكية لا للتصويت.

عضو المنظمة العالمية للأزهر الشريف