رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

اطلاله


على الرغم من القرار الصادر عن الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة،  والذي ينص بوضوح على علاج أي مصاب في أقسام الطوارئ مجانًا دون قيد أو شرط، إلا أن الواقع داخل بعض المستشفيات الحكومية يكشف عن فجوة كبيرة بين ما يُعلن رسمياً وما يُطبق فعلياً. فبينما يفترض أن يكون قسم الطوارئ هو الملاذ الآمن لكل مريض أو مصاب، تتحول أبوابه في كثير من الأحيان إلى حاجز جديد أمام الفقراء والبسطاء، خاصة من العمال ومحدودي الدخل.
شهد مستشفيان حكوميان، هما مستشفى الشيخ زايد العام ومستشفى الشيخ زايد التخصصي، أكثر من واقعة تم فيها استقبال حالات طارئة متعددة ومختلفة، إلا أن أقسام الطوارئ رفضت تقديم العلاج اللازم لها، وطالبت المرضى بالتوجه إلى العيادات الخارجية داخل المستشفى نفسه. هذا الرفض لم يكن بسبب عدم توافر الإمكانيات أو خطورة الحالة، وإنما بحجة الإجراءات أو ضرورة الكشف في العيادات مقابل مبالغ مالية.
الأكثر إيلاماً في هذه الوقائع أن معظم الحالات كانت لعمال بسطاء لا يملكون قوت يومهم. فعلى سبيل المثال، تعرض أحد العمال للسقوط من أعلى “السقالة” أثناء عمله، ما أدى إلى إصابته بإصابات بالغة. تم نقله إلى الطوارئ محمولًا على الأيدي من زملائه، في مشهد يعكس حجم الخطر الذي تعرض له. ومع ذلك، فوجئ الجميع برفض الطوارئ علاجه، وطلب تحويله إلى العيادات الخارجية مقابل رسوم مالية لا يملك المصاب حتى ربعها.
أمام هذا الموقف الإنساني القاسي، لم يجد زملاء العامل المصاب سوى الالتفاف حوله، وإخراج كل ما في جيوبهم من نقود قليلة، وجمعها معاً حتى تمكنوا بصعوبة من توفير المبلغ المطلوب لإنقاذ زميلهم. مشهد يثير تساؤلات مؤلمة، هل يجوز أن يُترك مصاب ينزف أو يتألم لأنه لا يملك المال؟ وهل أصبحت حياة الإنسان تُقاس بقدرته على الدفع؟
هذه الوقائع تفتح الباب أمام تساؤل مشروع حول مدى خضوع هذه المستشفيات لقرارات وزير الصحة. وإذا كانت هذه المستشفيات حكومية، فمن المسؤول عن عدم تنفيذ القرار؟ وأين دور الرقابة والإشراف؟ ولماذا يُترك الأمر لاجتهاد بعض الموظفين أو الإدارات التي قد تستغل جهل المريض بحقوقه أو استعجاله في تلقي العلاج؟
إن ما يحدث لا يمكن اعتباره حالات فردية، بل هو نمط متكرر في عدد كبير من المستشفيات، حيث يتم التحايل على القرارات الرسمية وفرض رسوم بطرق غير مباشرة. ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى وجود إشراف حقيقي من وزارة الصحة، كأن يتم تعيين ممثل أو مراقب من الوزارة داخل أقسام الطوارئ لرصد مثل هذه الانتهاكات والتعامل معها فوراً.
ما نراه اليوم هو قرار إنساني عادل، لكنه معطل على أرض الواقع. وبين القرار والتنفيذ، يدفع المواطن البسيط الثمن من صحته وكرامته، في انتظار منظومة صحية تضع الإنسان قبل أي اعتبارات أخرى.