حكم الجمع بين الصلاة المفروضة للمرضع
أثبتت الآيات القرآنية أن الأصل أن تؤدى الصلاة المفروضة في أوقاتها المحددة لها شرعًا، وإذا كانت هناك أعذار تبيح تأخير الصلاة عن أول وقتها فلا مانع شرعًا من أداء الصلاة في أي وقت من وقتها المحدد لها شرعًا، وأما المرأة التي تُرضع وتلحقها مشقة في تطهير ثيابها من تنجسها ببول الصغيرة التي ترضعها أو تغييرها عند كل صلاة فإنه يجوز لها أن تجمع بين الصلاتين -الظهر والعصر أو المغرب والعشاء- جمعًا صوريًّا، بأن تُصلِّيَ الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها، فإن شقَّ عليها وتعذر عليها ذلك تمامًا، فلها حينئذ أن تجمع بين الصلاتين بلا قصر، فتصلي الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات دون نقصان.
مقاصد الشرع الشريف في جعل لكل صلاة وقت ابتداء ووقت نهاية
ومن المقرر أن الصلاة المفروضة لها أوقاتًا محددة لا بد أن تؤدى فيها؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، وقوله ﴿مَوْقُوتًا﴾ أي مفروضًا ومؤقتًا بوقت محدد، ومن يسر الإسلام وسماحته وتخفيفه أن جعل للصلاة وقتًا تؤدى فيه وجعل له بدءًا ونهاية، وما بينهما وقت لأداء الصلاة، فإذا كانت هناك أعذار تبيح تأخير الصلاة عن أول وقتها فلا مانع شرعًا من أداء الصلاة في أي وقت من وقتها المحدد لها شرعًا.
والشريعة الإسلامية مبناها على التخفيف والتيسير على المكلفين ورفع الحرج والمشقة عنهم، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» رواه الإمام أحمد.
ومقصد الشرع من وراء ذلك ترغيب الناس في المداومة على الإتيان بالتكاليف دون انقطاع عنها بلا مشقة أو تقصير في أدائها.
يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات" في بيان حكمة رفع الحرج عن المكلفين (2/ 233، ط. ابن عفان): [فاعلم أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين: أحدهما: الخوف من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى الخوف من إدخال الفساد عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله. والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، مثل قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف أخر تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلًا عنها، وقاطعًا بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما] اهـ.
مذاهب الفقهاء في حكم الجمع بين الصلوات وشروط ذلك
ومن مظاهر التيسير والتخفيف في الأحكام: إباحة الجمع بين الصلوات، والذي قرره جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من غير تقييد بمكان أو زمان، وخالف فيه الحنفية حيث قالوا: لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت إحداهما بسبب العذر لا في سفر ولا حضر عدا يوم عرفة والمزدلفة.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 126، ط. دار الكتب العلمية): [لا يجوز الجمع بين فرضين في وقت أحدهما إلا بعرفة والمزدلفة فيجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة، اتفق عليه رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه فعله، ولا يجوز الجمع بعذر السفر والمطر] اهـ.
بيد أنَّ جمهور الفقهاء الذين أجازوا الجمع بين الصلوات في الجملة من غير تقييد بمكان أو زمان لهم تفصيل في هذه المسألة بيانه على النحو الآتي:
ذهب المالكية إلى جواز الجمع في السفر والحضر عند المطر والوحل مع الظلمة والمرض، وكذا في عرفة والمزدلفة.
قال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 368، وعليه "حاشية الدسوقي"، ط. دار الفكر): [ولما أنهى الكلام على قصر الصلاة بالسفر تكلم على الجمع بين الصلاتين المشتركتي الوقت ولجمعهما ستة أسباب السفر والمطر والوحل مع الظلمة والمرض وعرفة ومزدلفة] اهـ.
وأما الشافعية فقد أجازوا الجمع في السفر الطويل وفي الحضر في حالة المطر وهو المشهور في المذهب.