إطلالة
شهد الوسط الفني والإعلامي خلال الأيام الماضية حالة من الجدل الواسع عقب التصريح الذي أدلى به كاتب فيلم "الست" خلال مؤتمر صحفى على هامش مهرجان مراكش عندما قال: "أصعب مهمة تعرضت لها فى حياتى ودايما بقول لو بنعمل فيلم عن رسول كان هيبقى أسهل شوية.. أم كلثوم مش سيدة مصرية فقط هى سيدة عالمية وعربية".
هذا التصريح، رغم أنه جاء في معرض المقارنة الفنية، لكن يعتبر هذا التصريح تعدي على قدسية الرسل والأنبياء، وتناولاً غير مقبول لرموز دينية لا يجوز الاقتراب منها بمنطق المزايدة أو المقارنة. هذا التصريح أثار موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأى قطاع كبير من الجمهور أن طرح مثل هذه المقارنات يحمل قدراً من الاستفزاز المتعمد، وأنه يلامس خطوطاً حمراء واضحة في المجتمعات الإسلامية والعربية. فالرسل والأنبياء يتمتعون بمكانة روحية لا يجوز الزج بها في سياقات فنية أو مجادلات دعائية أو ترويجية، وهو ما يجعل أي إشارة لهم خارج إطار التقديس الديني أمراً مرفوضاً وجارحاً لمشاعر المؤمنين.
وأعتقد أن كاتب الفيلم كان مدركاً تماماً للجدل الذي ستثيره كلماته، وأن ما قاله لم يكن وليد اللحظة، بل جاء وفق تقدير محسوب يهدف إلى جذب الانتباه وتحقيق دعاية واسعة للعمل السينمائي عبر إشعال نقاشات حادة. وفي عالم الصراع على التريندات وتصدر العناوين، لم يعد غريباً أن تستخدم بعض الجهات الفنية الجدل الديني أو الاجتماعي كأداة لضمان انتشار أكبر.
لكن المشكلة، أن استخدام هذه الطريقة في الترويج يضع الإبداع في مواجهة مباشرة مع حساسية دينية راسخة، ويخلق حالة من الاحتقان غير المبرر بين الجمهور وصُناع العمل. فالإبداع الحقيقي لا يحتاج إلى تجاوز الخطوط الحمراء كي يثبت حضوره، ولا يستند إلى "الضجة" بقدر ما يستند إلى رصانة الفكرة وقيمة المحتوى.
ومن المؤكد أن احترام الرموز الدينية ليس خياراً بل واجباً، خاصة في مجتمعات يؤثر الدين فيها في الوجدان الجمعي، وتُعتبر مكانة الأنبياء فيها جزءاً من الهوية الأخلاقية والثقافية. وأي مقارنة أو إشارة تمس هذه القدسية ، ولو بشكل غير مباشر تُعد تعدياً على مشاعر الملايين. لذلك يرى كثيرون أنه كان من الأولى أن يكون الخطاب الإعلامي للمؤتمر أكثر حرصاً في اختيار العبارات، وأكثر احتراماً لحدود ما يمكن طرحه في سياق الحديث الفني.
ومع ذلك من المهم التذكير بأن الغضب المشروع لا يعني الانزلاق نحو العنف أو الإساءة. فالدفاع عن قدسية الرسل واجب، لكنه واجب يُمارس بالطرق السلمية التي لا تتنافى مع أخلاق الإسلام، من خلال التعبير الهادئ، والمقاطعة الواعية، وإيصال الرسائل الواضحة بأن الجمهور لا يقبل المساس بثوابته.
ومن هذا المنطلق أري من وجهة نظرى الشخصية أن الامتناع عن مشاهدة الفيلم هو وسيلة حضارية للتعبير عن الرفض، ورسالة مهمة تُفهم دون صخب بأن احترام الرسل والأنبياء خط لا يُسمح بتجاوزه، وأن الجمهور قادر على ردع من يتجاوز بوعي وهدوء. فالسقوط الجماهيري لأي عمل يتجاوز المقدسات يصبح، بالفعل، عبرة لكل من قد يفكر في استخدام الدين كوسيلة للفت الأنظار أو للإثارة.
و يبقى الجدل الدائر دعوة لإعادة التفكير في العلاقة بين الإبداع والحرية والمسؤولية. فالفن الحقيقي لا يزدهر على حساب احترام المعتقدات، ولا يستند إلى الاستفزاز، بل يقوم على قوة الفكرة وجمال الرسالة. ومهما اختلفت الآراء حول الفيلم ذاته، فإن ما اتفق عليه الجمهور هو أن قدسية الأنبياء ليست مجالاً للمقارنة ولا مادة للدعاية.