حين يعلن ترامب حربه على فنزويلا بحجّة مكافحة المخدرات، يبدو الأمر على السطح وكأنه مأخوذ من سيناريو فيلم هوليوودي: أميركا، البطلة، تحمي العالم من السم الأبيض المزعج. لكن وراء هذا الغلاف الإعلامي البريء، تكمن الحقيقة الأكثر إثارة، وهي أن الحرب ليست حرب مخدرات ولا دفاعًا عن الأمن القومي، بل حرب على النفط والنفوذ والهيمنة السياسية.
فنزويلا ليست دولة عادية. إنها تمتلك أكبر احتياطي نفط مثبت في العالم، يقدّر بأكثر من ٣٠٠ مليار برميل، متفوقة على السعودية وكندا. وأكثر من مجرد خام أسود، بل ذهب أسود يُغري كل من يسعى للسيطرة على أسواق الطاقة العالمية. تمتلك فنزويلا أيضًا احتياطيات كبيرة من الذهب، تقدّر بعشرات الأطنان، خاصة في إقليم بوليفار. كما تحتوي على النيكل والفضة والألمونيوم والمعادن النادرة، ما يجعلها مهمة للصناعات التكنولوجية والعسكرية.
ترامب، المعروف بحبه للإعلانات الضخمة والاستعراضات، وجد في فنزويلا هدفًا مثاليًا لإعادة كتابة صورة أميركا على الخريطة النفطية. الحرب هنا ليست دفاعًا عن الوطن، بل محاولة لإعادة الولايات المتحدة إلى صدارة سوق النفط، ومنافسة الصين وروسيا، وكأن العالم كله لعبة شطرنج يختصرها ترامب في قرارات تغريدية متعجلة.
لكن الأبعاد الاقتصادية ليست سوى جزء من الصورة. هناك بُعد سياسي داخلي واضح: فالرئيس ترامب وجد في فنزويلا ورقة دعائية ذهبية. إذ أن إعلان الحرب على دولة بعيدة يُستخدم لرفع شعبيته داخليًا، وتصويره كبطل عالمي يحمي "الأمن القومي"، بينما الشعب الفنزويلي هو من يدفع الثمن الحقيقي. حيث تُعد هذه الحرب أداة انتخابية أكثر منها عملية أمنية، وأكثر منها مواجهة حقيقية لقضية المخدرات، التي لو كانت محور الاهتمام لما اقتصر التركيز على فنزويلا وحدها.
ثم هناك بُعد جيوسياسي إقليمي. فنزويلا تبني علاقات مع الصين وروسيا وكوبا، وهو ما لا يروق لأميركا التي تعتبر القارة اللاتينية "فناءها الخلفي". ترامب، بطبيعته التنافسية والعدائية تجاه أي نفوذ خارجي، قرر أن يجعل من فنزويلا ملعبًا لإعادة فرض الهيمنة الأمريكية. كل خطوة هنا مرتبطة بالسيطرة على المنطقة، وليس بمواجهة تهريب المخدرات أو حماية المدنيين والأبرياء.
باختصار، حرب ترامب على فنزويلا ليست إلا حرب مصالح متنكّرة في زي حملة مكافحة المخدرات. النفط والسلطة والنفوذ هي الهدف، والمواطن الفنزويلي مجرد ضحية. المخدرات مجرد ذريعة لتجميل صورة من لا يملك أي شرعية أخلاقية أو قانونية. في النهاية، ما يحدث ليس سوى عرض سياسي مبالغ فيه، يقوم فيه ترامب بدور البطل في مسرحية عالمية، بينما الواقع هو أن هذه الحرب ليست سوى إعلان نفوذ واستعراض قوة، والشعارات الفضفاضة عن الأمن القومي ومكافحة المخدرات، هي مجرد دعاية انتخابية من نوع جديد.