رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

أصبحت الساحة الرقمية اليوم ميدانا ً مفتوحا لحروب من نوع جديد، لا نسمع فيها دوي المدافع، لكن نشعر بأثرها في طريقتنا في التفكير ومشاعرنا تجاه بعضنا البعض.
ما يلفت النظر ليس انتشار الأخبار المزيفة بحد ذاته، بل سرعة تصديق الناس لها حين تُقدم في شكل صادم ومثير، وكيف يتحول المجتمع إلى مستقبل سلبي للدعاية الرقمية دون وعي منه، وكثير من الروايات التي تظهر على المنصات تبدو منطقية في ظاهرها، لكنها مبنية على شغف جماعي بالدهشة والمؤامرة والتفسير السريع للواقع، لا على الدليل والتحقق والتفكير النقدي.
إن المنصات الكبرى اليوم لا تعكس الواقع كما هو ؛ بل تصنعه بطريقة ما عبر خوارزميات تدفع المحتوى الذي يثير عاطفتك قبل محتوى قد يفيد عقلك، وحسابات وهمية قد تكتب بلهجات مألوفة، وتُظهر أسماءً قريبة منا، لكنها تُدار لأغراض ليست بريئة قد تكون تجارية، أو سياسية، أو أيديولوجية. والمستهدف ليس دولة بعينها، بل النسيج الاجتماعي ذاته من حيث قيم الثقة وشعور الوحدة والتضامن بين الشعوب، والإيمان المشترك بالمصير العربي الواحد.
وهنا تكمن الخطورة الحقيقية؛ ليس في وجود من يريد التأثير علينا، فهذا شيء طبيعي في صراعات الدول والمصالح، بل في ضعف المناعة الذهنية لدى المستخدمين، وفي غياب ثقافة التحقق والتمحيص، وفي قابلية الناس لأن يكونوا أدوات في نشر الدعاية دون قصد. 
إن الأسوأ من الكذب هو أن يتحول الجمهور إلى وسيط عاطفي لنشر الكذب، وبدلا ً من  أن تكون المنصات الرقمية أدوات للتواصل والتقارب تصبح ساحات لإثارة الغضب وسوء الظن وفقدان الثقة.
المواجهة هنا لا تحتاج غضبا؛ بل تحتاج وعياً وإدراكاً بأن ما نقرأه ليس بالضرورة ما حدث، وأن ما نراه ليس بالضرورة الحقيقة، وأن ما يصل إلينا على شاشاتنا هو مزيج من وقائع وآراء وتوجيهات خفية، ومن واجبنا أن نحسن التمييز بينها. لا بد أن نتعلم قبل أن نشارك، وأن نسأل قبل أن نصدق، وأن نفكر قبل أن نغضب، فالعقل هو الجدار الأخير الذي يتم التعويل عليه حين تنهار أسوار المنطق أمام سطوة العاطفة.
وفي الختام؛ فإن دور المواطن في هذه المعركة لا يقل أهمية عن دور الدولة، وعلى الناس أن يتبنوا ثقافة التأكد وعدم الانسياق وراء الموجات الغاضبة، وأن يدركوا أنهم ليسوا مجرد مستقبلين للمحتوى، بل صُنّاع له ومسؤولين عنه. 
وعلى أجهزة الدولة المختلفة خاصة المعنية بالإعلام والتعليم أن تعمل على بناء الوعي الرقمي، وتعزيز مهارات التفكير النقدي في المدارس والجامعات، وتحويل الإعلام من منصة رد فعل إلى منصة تثقيف، بحيث لا يترك المواطن وحيدا ً أمام بحر من المعلومة المضللة، وإذا تعاون العقل الفردي مع المنظومة الثقافية العامة ، يصبح المجتمع أقل قابلية للانقسام، وأكثر قدرة على مقاومة محاولات الاختراق الفكري والنفسي، لأن الأمن الحقيقي يبدأ من الوعي، ولا تحمي الدولةَ فقط حدودٌ تراقبها الجيوش، بل عقولٌ يقظـة لا تنخدع بسهولة.