رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

على فكرة

ذكرنا الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد فى مقاله البديع فى صحيفة القدس العربى عن كتاب رجاء النقاش «يحيى حقى الفنان والإنسان والمحنة»، الذى صدرت طبعته الأولى قبل سنوات عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتستعد دار الحكيم لإصدار طبعته الثانية فى معرض الكتاب القادم، يذكرنا أن ذكرى رحيل يحيى حقى الثلاثة والثلاثين تحل فى التاسع من ديسمبر القادم. وليت ذلك يكون محلا لأنشطة معرض الكتاب وندواته الثقافية والفكرية، للفت انتباه الأجيال الجديدة إلى هذا النمط من المثقفين الموسوعين الأفذاذ، الذين قدموا أعمالا بنائية للثقافة المصرية فى مجالات الكتابة والترجمة والأعمال التنفيذية للمواقع الثقافية، التى برزت فيها خبرات الجمع بين عمله الدبلوماسى والثقافى حين تولى منصب مدير عام مصلحة الفنون، ومستشار فنى لدار الكتب، ورئاسة تحرير مجلة المجلة فى عهدها الذهبى.

قد لا تعرف تلك الأجيال يحيى حقى إلا من خلال روايته القصيرة قنديل أم هاشم التى تحولت إلى فيلم سينمائى، وتعرضه الفضائيات بين الحين والآخر، برغم أن كتبه قد تجاوزت الثلاثين كتابا وانطوت على اهتمام واسع ورفيع المستوى بالأدبين العربى والغربى، وبفنون السينما والموسيقى والمسرح والباليه والرسم والمعمار، والفنون الشعبية والتشكيلية. افتتن يحيى حقى باللغة العربية، وصك إسلوبا خاصا به فى الكتابة،يجمع بين الفصحى والعامية، ويظهر بجلاء وجمال فى أن واحد، حجم التزاوج والتداخل بينهما. فضلا عن أسلوبه الساخر الذى طبع كتاباته فى لحظات آلمه وفرحه وإعجابه وسخطه.

فتنتنى كتابات يحيى حقى التى أعود إليها كلما سُدت الطرق وحلَك الليل، فتعيد إلى نفسى توازنها. حفلت كتاباته بتتبع مصائر عالم هائل من المهمشين والبسطاء من الفئات الشعبية فى الريف والمدن، وعاداتهم وثقافتهم الشعبية واكلاتهم وملابسهم، وواقعهم الاجتماعى المؤلم والمزرى فى أحيان كثيرة، الذى تحكم فى تلك المصائر، فأضحى قلمه وكيلا للدفاع عن حقوقهم المهدرة، وداعية للتعاطف الإنسانى مع من تجبرهم ظروف عاتية للخروج على القانون.

عبر حقى عن سخطه وسخريته من الطريقة التى تنشر بها الصحف حوادث الجرائم، ولاحظ بفطرته السليمة وحسه الاجتماعى الصلب والمتماسك، أنه حين يرتكب الكبار من ذوى المكانة الاجتماعية العالية التى تمنحها لهم الثروة والسلطة والمواهب الشخصية جريمة، يتم التستر على أسمائهم، كما هو حادث الآن فى تعمد إخفاء أسماء ملاك مدرسة «سيدز» التى تمت فيها جرائم جنسية ضد تلاميذها. أما إذا ارتكب الصغار من ذوى الفئات الاجتماعية الفقيرة الجريمة، فتنشر الصحف صورهم وأسمائهم لتصبح فضيحتهم بجلاجل، ويعجزون فى حال ثبتت براءتهم عن مواصلة حياتهم الاجتماعة بأمان، كما هو حادث فى نشر صور واسماء المتهمين بارتكاب الجرائم فى المدرسة المذكورة.

فى أوائل الستينيات طلب محمد حسنين هيكل من يحيى حقى الكتابة فى صحيفة الأهرام. وكان حقى ينشر مقالاته فى صحف صغيرة محدودة الانتشار مثل المساء والتعاون ومجلة المجلة، قد يكون كتابته بها أهم أسباب توزيعها. وبعد أسابيع قليلة من بدء نشر مقالاته فى الأهرام، دعاه هيكل أن يوقف الكتابة فى أى صحف أو مجلات أخرى، لاسيما إذا كانت صحفا صغيرة، وأن تحتكر الأهرام كتاباته.

لكن يحيى حقى رفض الدعوة. وقال إن بينه وبين قراء الصحف الصغيرة تلك الأقل من صحيفة الأهرام فى الانتشار والمكانة عيش وملح، وأنها لولا احتضانها لما أكتب وتقديرها لقيمته، لما دعتنى الأهرام للكتابة بها، وأنه حين ُضع فى اختيار بين الكتابة فى المنابر الواسعة الانتشار وذات المكانة، وبين الكتابة فى الصحف الأقل انتشارا ومكانة أختار الأخيرة التى أكل معها «عيش وملح»ليرسم بموقفه ملمحا مهما آخر من ملامح شخصيته الآسرة الواثقة بالنفس، وبقدرتها على التأثير اينما وجدت، وألا تؤثر الشهرة على المبدأ.