إطلالة
عندما قرأت خبر الواقعة التي حدثت في المدرسة الدولية بمنطقة السلام في القاهرة، والتي لم تهزني فقط بل هزت مجتمعًا بأكمله، بعد اكتشاف تورط أربعة من العاملين داخل المدرسة في اعتداءات على عدد من الأطفال في مكان معزول عن الكاميرات، داخل مخزن يقع خلف مدينة الألعاب. الحادثة التي جرت في الخفاء أعادت إلى الأذهان، وبقوة، مأساة الطفل ياسين التي لم يمرّ عليها سوى شهور قليلة، والتي وقعت بذات الطريقة والمكان والدوافع نفسها تقريبًا، وكأن شيئًا لم يتغيّر، وكأن الدرس لم يصل بعد.
الواقعة الجديدة لم تكن مجرد حادث فردي، بل هزة عميقة في وجدان الأسر، وصاعقة على رأس كل أب وأم سلّموا أبناءهم إلى مؤسسة تعليمية يفترض أن تكون ملاذًا آمنًا، فإذا بها تتحول إلى مصدر خطر وتهديد..ما يجعل أولياء الأمور تدور بداخلهم العديد من المخاوف والأسئلة التي لا تنتهي: كيف يتكرر السيناريو بهذه البشاعة؟ كيف لم تتحرك جميع المؤسسات والإدارات التعليمية لمنع تكرار جريمة مشابهة لما جرى للطفل ياسين؟ وأين الرقابة؟ وأين القانون؟
إن تكرار هذه الجرائم بالطريقة نفسها يفضح فجوات خطيرة في المنظومة، ليس فقط التعليمية، بل القانونية والرقابية أيضًا. فحين يجد المعتدي ثغرات تسمح له بالانفراد بطفل بعيدًا عن الكاميرات، وحين لا تُطبَّق عقوبات رادعة، وحين تتكرر الجرائم خلال شهور قليلة فقط، فهذا يعني أننا أمام مشكلة أعمق من مجرد حادث فردي. نحن أمام عجز حقيقي عن حماية الأطفال.
فالاعتداء على الطفل لا يُدمر جسده فقط، بل يترك ندوباً نفسية قد ترافقه طيلة حياته، وربما تكون أشد قسوة من أثر الجريمة نفسها. الطفل ينام وخوفه يوقظه، ويكبر والندبة تكبر معه. وهذا ما يدفعنا إلي المطالبة بصوت مرتفع، بتعديل القانون وتشديد العقوبات حتي تصل إلي الإعدام ، لأن من يرتكب جريمة بهذا العنف فقد تجرد من إنسانيته ورحمته، و ما دمره في نفس الطفل لا يقل فتكاً عماً دمره في جسده.
ولابد أن يكون الردع على مستوى الجريمة، وأن تتضمن التشريعات نصوصاً أكثر صرامة، تصل إلى أقصى العقوبات التي يقررها القانون بحق المعتدين، باعتبار أن حماية الأطفال ليست رفاهية، بل واجب دولة ومجتمع وقانون. فقضية الطفل ياسين كانت يجب أن تكون نقطة تحول في التشريعات والإجراءات، لا مجرد حدث مر ثم طواه النسيان.
الحقيقة المؤلمة أن هذه الجرائم لا يمكن النظر إليها كحوادث منعزلة. إنها رسائل تحذير متتالية، تؤكد أن الوقت قد حان لإعادة بناء منظومة حماية الطفل على أسس جديدة، من قوانين أشد، رقابة حقيقية، كاميرات في كل زاوية، اختيار صارم للعاملين داخل المدارس، ولجان متابعة دائمة لا تتوقف عند لحظة انكشاف جريمة ثم تخفت.
إن الأطفال هم الفئة الأضعف والأطهر، وإذا لم تحمهم المدارس، ولم يحمهم القانون، فمن يحميهم إذن؟ لقد آن الأوان لوقف هذا النزيف، ولصوت ياسين وكل طفل آخر أن يتحول إلى قانون، وإلى عدالة، وإلى أمان لا يتكرر معه هذا الألم مرة أخرى.
لا شيء يعري عجز المجتمع وقسوته مثل تكرار الجرائم التي تطعن طفولتنا في قلبها. نحن اليوم لا نتحدث عن حادثة فردية، ولا عن خطأ بشري يمكن تجاوزه، بل عن انهيار أخلاقي يتسلل إلى مؤسسات يفترض أنها تحمي أبناءنا لا أن تسلمهم إلى الذئاب. ما حدث داخل إحدى المدارس الدولية بالسلام ليس مجرد واقعة صادمة، بل مرآة تُظهر لنا بشاعة الواقع حين يصبح الطفل الحلقة الأضعف في منظومة فقدت انضباطها وإنسانيتها. والأسوأ من ذلك أن الجرح ما زال طازجا، فذاكرة الطفل ياسين لم تجف بعد، ومع ذلك تكررت الجريمة بنفس الطريقة، وبنفس الاستهتار بكرامة الطفل وأمانه. في لحظة كهذه لا يعود السؤال: ماذا حدث؟، بل: إلى أي حد سنظل نتعامل مع هذه الجرائم كأنها قدر لا يمكن تغييره؟ لقد آن الوقت لنتحدث بصوت أعلى من الخوف، وبوضوح أكبر من الصمت، عن قانون يحتاج إلى إعادة كتابة، وعدالة يجب أن تكون بحجم الألم الذي نحمله جميعاً فلا بد من الإعدام لكل مجرم انتهك براءة الطفولة.