الزيتون الأردني في أزمة.. إنتاج ضعيف وأسعار غير مسبوقة
تشهد الأردن هذا العام واحدًا من أصعب مواسم الزيتون منذ أكثر من عشرين عامًا، إذ انطلقت عمليات عصر الزيتون وسط مشهد مختلف تمامًا عمّا اعتاده المزارعون والمستهلكون. فالإنتاج تراجع بشكل لافت، والأسعار ارتفعت إلى مستويات قياسية، فيما تتزايد الضغوط المناخية عامًا بعد آخر، حتى إن بعض المعاصر تتوقف عن العمل بين الحين والآخر لعدم توفر كميات كافية للعصر.

ووفق تقديرات نقابة أصحاب المعاصر ومنتجي الزيتون، لن يتجاوز إنتاج الأردن من زيت الزيتون هذا العام 18 إلى 20 ألف طن، مقارنة بمتوسط سنوي يتراوح عادة بين 25 و40 ألف طن. ويعزو عضو جمعية أصحاب معاصر الزيتون محمود العمري هذا التراجع الحاد إلى ضعف الهطول المطري، وموجات الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، خاصة في المناطق البعلية غرب البلاد.
ورغم انخفاض الإنتاج، يؤكد العمري أن جودة الزيت هذا العام “ممتازة جدًا”، نتيجة الحمل الخفيف على الأشجار الذي انعكس على نقاء الزيت وقيمته الغذائية. ويشير إلى أن نصف الموسم قد انقضى، مع توقع أن تساهم أشجار "المرورية" التي تتأخر عملية قطافها في زيادة بعض الكميات خلال الأسابيع المقبلة.
ارتفاع كبير في الأسعار
على الجانب الآخر، يواجه المستهلك الأردني موجة أسعار هي الأعلى منذ سنوات. فبينما حددت النقابة سعرًا استرشاديًا بين 100 و120 دينارًا لتنكة الزيت (16 كغم)، قفزت الأسعار في بعض الأسواق إلى 140 و150 دينارًا، مما أثار مخاوف من خروج المادة الأساسية عن قدرة الكثيرين الشرائية.
وفي محاولة لضبط السوق، قررت وزارة الزراعة وقف تصدير زيتون المائدة بالكامل، رغم وجود عقود سنوية تصل إلى 4 آلاف طن، وذلك لإعطاء الأولوية للعصر وتوفير الكميات للسوق المحلية. لكن خبراء يرون أن القرار لا يكفي وحده لاحتواء الأزمة، خاصة أن بيانات رسمية تشير إلى أن إنتاج الزيت حتى مطلع نوفمبر بلغ 1419 طنًا فقط، أي 55.8% من المعدل الموسمي، وهو ما تسبب في توقف بعض المعاصر أيامًا لعدم توفر ثمار كافية.
الاستيراد.. خيار اضطراري
ومع استمرار الأزمة، أعلنت وزارة الزراعة عن نيتها السماح باستيراد زيت الزيتون لأول مرة منذ عقود، في خطوة تهدف إلى سد النقص في المعروض ومنع المزيد من الارتفاع في الأسعار، مع التأكيد على الالتزام بالمواصفات الأردنية وشروط الجودة.
لكن أزمة الزيتون ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحديات الأكبر التي تواجه القطاع الزراعي في البلاد، خصوصًا في وادي الأردن؛ حيث تتراجع كميات مياه الري وترتفع درجات الحرارة وتزداد ملوحة الآبار، إضافة إلى تدني أسعار بيع المحاصيل مقارنة بكلف الإنتاج، ما يدفع المزارعين للتفكير في تقليص المساحات المزروعة أو ترك أراضيهم بورًا.
ويصف تاجر الزيت معاوية الهواري الموسم الحالي بأنه “الأشد منذ أكثر من عقدين”، مرجعًا ذلك إلى ضعف الأمطار، خاصة في المناطق البعلية. ويرى أن الحل الوحيد يكمن في الاستيراد من دول مجاورة، داعيًا إلى تأجيل الاستيراد الواسع حتى نهاية الموسم لحماية المزارعين المحليين من الخسارة.
منعطف حساس
أمام تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار وتفاقم آثار التغير المناخي، يبدو قطاع الزيتون الأردني عند نقطة حرجة. فالمؤشرات توحي بأن الأزمات المناخية لم تعد ظرفًا عابرًا، وأن السنوات المقبلة قد تحمل تحديات أكبر ما لم تُعتمد حلول مستدامة تشمل إدارة أفضل للمياه، وتطوير نظم الري، وتعزيز البنية الزراعية.
وإلى أن تتضح ملامح الحلول، يبقى الأردنيون أمام موسم استثنائي لا يشبه ما اعتادوه، وزيت زيتون قد يصبح أغلى من أن يكون متاحًا للجميع.



