بدوي مبروك: فخور بنجاح "ملتقى أهل مصر".. ولن أتنازل عن حلم الفنان بداخلي
بين دفء الجنوب ووهج المتوسط تشكل وعي الفنان الدكتور بدوي مبروك، الذي استطاع أن يصنع لنفسه مكانة مرموقة في عالم الفن التشكيلي، بفضل بصمته الخاصة التي تمزج بين رهافة الحس الإنساني وثراء التجربة البصرية.

وُلد في قرية البلاعزتين التابعة لمركز مغاغة بمحافظة المنيا، حيث تنعكس في أعماله رائحة الطين وألوان الحقول وملمس النخيل. هناك بدأت ملامح الموهبة تتفتح، قبل أن تكتمل ملامحها على ضفاف نهر التاجوس في البرتغال، حيث سافر ليستكمل دراسته ويتعرف على مدارس فنية مختلفة تركت أثرها في تجربته.
حصل بدوي مبروك على درجة الدكتوراه في الفنون الجميلة من جامعة حلوان، وشارك في العديد من المعارض والصالونات الفنية المرموقة، من بينها الصالون الأول للرسم بمركز الجزيرة للفنون عام 2004، وترينالي الجرافيك الدولي الخامس بقصر الفنون عام 2006. كما نال الجائزة الأولى في مجال الجرافيك بالمسابقة العامة للفنون التشكيلية، وجائزة تشجيعية في بينالي بورسعيد القومي الثامن عام 2009.

ومع كل هذا الزخم الفني، لم يتوقف طموحه عند حدود المرسم واللوحة، بل امتد إلى فضاء أوسع حين تولى مؤخرًا مهمة المدير التنفيذي لمشروع "أهل مصر"، وهو المشروع الذي يرعاه ملتقى أهل مصر في دورته الـ39 بمحافظة الإسماعيلية، والذي خُصص هذا العام للأطفال.
التقته "الوفد" على هامش الملتقى، فكان هذا الحوار عن تجربته ومسؤولياته الجديدة، وعن معادلة التوفيق بين الفن والإدارة.
ـ بداية.. كونك فنانًا تشكيليًا موهوبًا، ألا تخشى أن يؤثر العمل الإداري على وهج الفنان بداخلك؟
بصراحة، هذا السؤال يؤرقني كثيرًا. العمل الإداري مرهق ويتطلب جهدًا ذهنيًا وبدنيًا كبيرًا، لكنني أؤمن بأن الفنان الحقيقي لا يتخلى عن حلمه أبدًا. أحاول دائمًا أن أوازن بين مسؤوليتي كإداري وبين طموحي الفني، فالإدارة بالنسبة لي ليست عبئًا، بل وسيلة لتنظيم الإبداع وتوسيعه.
ولدي قدوة في هذا المجال؛ فالفنان فاروق حسني حين كان وزيرًا للثقافة، لم يتخلَّ عن بصمته الفنية، وكذلك الدكتور أحمد نوار، الذي تولى رئاسة هيئة قصور الثقافة وظل فنانًا مبدعًا في الوقت ذاته. تلك النماذج تمنحني الثقة في أن الجمع بين الإدارة والفن ممكن حين تكون النية صادقة والإرادة حقيقية.
ـ الدورة الجديدة من ملتقى "أهل مصر" ركزت على الأطفال.. هل كانت المهمة صعبة؟
بكل تأكيد، فالعمل مع الأطفال يحتاج إلى جهد خاص وصبر وحس إنساني عالٍ. لكن هذه الصعوبة تمنحني متعة مضاعفة، لأننا نتعامل مع جيل المستقبل، ومع نواة المجتمع التي يجب أن نرعاها بعناية.
ولا يمكنني أن أتحدث عن نجاح الملتقى دون أن أوجه الشكر إلى القيادة السياسية التي أولت المشروع اهتمامًا كبيرًا، وإلى الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، الذي يمتلك رؤية فنية راقية ويعمل على تذليل كل العقبات أمام الأنشطة الثقافية، بهدف وصول الخدمة الثقافية إلى كل طفل على أرض مصر.، وإلى محافظ الإسماعيلية اللواء اكرم جلال الذي يدعم الثقافة بكل قوة.
كما أوجه تحية تقدير إلى اللواء خالد اللبان رئيس هيئة قصور الثقافة، والدكتورة حنان موسى رئيس اللجنة التنفيذية لمشروع "أهل مصر"، والدكتور شعيب خلف مدير عام إقليم القناة وسيناء الثقافي، وشيرين عبد الرحمن مدير عام ثقافة الإسماعيلية، إضافة إلى كل الزملاء بالهيئة الذين يبذلون جهدًا كبيرًا، وعلى رأسهم محمود أنور مدير إدارة الإعلام، وجيهان سعفان منسق الفعاليات وعبد الوهاب الحضرى متابع الفعاليات ومحمد محمدي المصور المبدع الذي لا يهدأ أبدًا في تغطية فعاليات الملتقى، والعلاقات العامة بفرع ثقافة الإسماعيلية.

ـ ما الهدف الأساسي الذي يسعى إليه الملتقى في دورته الحالية؟
نحن نعمل على دمج الأطفال من المحافظات الحدودية مثل شمال وجنوب سيناء، والبحر الأحمر، ومطروح، وأسوان، والوادي الجديد، مع أطفال القاهرة، من خلال ورش فنية وتراثية تُنمّي مهاراتهم وتفتح أمامهم أفقًا جديدًا للتعبير والإبداع.
الغاية الأساسية أن يشعر كل طفل، سواء في أقصى الشمال أو الجنوب، بأنه جزء من نسيج الوطن الواحد. نريد أن نُذيب الفوارق، وأن نوحّد رؤى الأطفال ليشعر الجميع أنهم ينتمون إلى سماء واحدة، وأرض واحدة، ومستقبل واحد.
ـ هل واجهت تحديات أثناء إدارة الملتقى؟
لا تخلو أي تجربة من التحديات، لكن ما يخفف وطأتها هو وجود مسؤولين مؤمنين بالفكر الإبداعي ويدعمونه بكل طاقة.
أشعر بامتنان كبير لوزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، ولرئيس الهيئة اللواء خالد اللبان، فهما لا يدّخران جهدًا في دعم المشروع ومساندة فريق العمل، وهو ما ساعدنا على تحويل الأفكار إلى واقع ملموس.
النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا بالعمل الجماعي، وأنا محظوظ بفريق يمتلك الشغف والرغبة في الإنجاز.

ـ وأخيرًا، كيف ترى مستقبلك بين الإدارة والفن؟
أنا مؤمن بأن الفن سيظل بيتي الأول. مهما ابتعدت عنه مؤقتًا بسبب المسؤوليات، سيبقى في داخلي حلم الفنان الذي لا يخبو. الإدارة تجربة تُثري الوعي وتُكسب الإنسان مهارات جديدة، لكنها لا يمكن أن تُطفئ جذوة الإبداع.
سأظل أعمل وأتعلّم، وأمنح كل طاقتي لنجاح أي مهمة أُكلَّف بها، لكنني في النهاية فنان.. ولن أتنازل عن هذا الحلم أبدًا.
يغادر بدوي مبروك ساحة الحوار كما دخلها: هادئًا، واثقًا، مشرق الملامح كلوحاته التي تحمل دفء الجنوب وصدق الألوان. في صوته إصرار الفنان الذي لا يعرف الاستسلام، وفي كلماته حنين واضح إلى الطفولة الأولى حين كان يرسم على جدران القرية أحلامه الصغيرة.
هو إداري ناجح، لكنه قبل كل شيء فنان عاشق للجمال، يؤمن بأن الإبداع لا يُدار بالأوامر بل بالحب، وأن الطفل الذي يزرع بذرة الفن اليوم سيحمل غدًا وعي الوطن ولونه الحقيقي.