قضية ورأي
تحل الخميس المقبل، الذكرى 107 لميلاد الوعى الوطنى، ذكرى عيد الجهاد الوطنى المصرى 13 نوفمبر 1918.
ورغم أنه عيد الوطنية المصرية، إلا أن قليلا من المصريين هم من يتذكرونه، لاعتبارات عدة، أولها أن أحد ثوابت إرث ثورة يوليو 1952 كانت إظهار جميع الحركات الوطنية وثورة الشعب فى 1919 ومظاهرات الطلبة فى مصر عام 1935.. جميعها محاولات فاشلة ومجرد إرهاصات لثورة يوليو نفسها.
وقد كنت واحدا من مصريين كثيرين لا يأبهون بعمق الذكرى، إلى أن حضرت احتفالا وفديا عام 1996 أو 1997 لا أذكر على وجه الدقة فى حديقة قصر البدراوى باشا بالدقى، حيث أطل فؤاد باشا من الشرفة، يخطب فى الوفديين، فى مشهد من الأربعينيات.
كان الدستور حاضرا بقوة فى الخطاب، باعتبار أن قضية الوفد التاريخية هى الاستقلال والدستور.
وما دام الاستقلال تحقق، فالجهد كله ينصب تجاه الدستور.
وللحقيقة، كان الباشا يوجه حديثه إلى الرئيس مبارك، مطالبا إياه بالتخلى عن رئاسة الحزب الوطنى، وأن يكون رئيسا لجميع المصريين، خصوصا أن انتخابات 1995 المؤلمة كانت لا تزال ماثلة فى الأذهان.
أذكر أن الباشا قال نصا:» فى اليوم الذى يتخلى فيه الرئيس مبارك عن الحزب الوطنى، سينهار مثل حزب مصر العربى الاشتراكى الذى تخلى عنه السادات، وسيكتب على مقره: كان هنا الحزب الوطنى».
وبالفعل تحققت نبؤة الباشا، وأحرق مقر الحزب الوطنى على كورنيش النيل فى ثورة يناير 2011، إلى أن تلقفه صندوق مصر السيادى ثم تحالف مصرى سعودى إماراتى، لينقذ على أرضه مشروعا تطويريا متعدد الاستخدامات، يشمل فندقًا وبرجًا سكنيًا فاخرًا بحلول عام 2028.
وكلما قادتنى الصدفة إلى كورنيش النيل، أتذكر نبؤة الباشا.
قبل يوليو 1952، ظل المصريون على اختلاف انتماءاتهم السياسية يحتفلون بعيد الجهاد، كعيد رسمى يرمز لكفاحهم.. إلى أن ألغته الثورة.
لكنه يظل رمزًا حيًا فى الذاكرة الجمعية المصرية، خصوصًا لدى الوفديين الذين يرون فيه التجسيد الأصدق لوحدة الصف وتفويض الشعب.
إنه يمثل المفهوم النقى للوطنية التى تعلو على الانتماءات الفئوية والطائفية، وتجمع الأمة بأسرها خلف قيادة وطنية واحدة من أجل الحرية والكرامة.
مخطىء من يعتقد أن المسيرة توقفت عند توجه سعد زغلول بصحبة رفيقيه على شعراوى وعبدالعزيز فهمى إلى دار المندوب السامى البريطانى السير ريجنالد وينجت، للسماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح فى باريس لتمثيل مصر وعرض قضية استقلالها وإنهاء الحماية البريطانية التى فُرضت عام 1914.
فمصر حصلت على استقلالها، بعد أن جاد 3 آلاف مصرى بأرواحهم فى ثورة 1919، وبعد أن سقط من جانب المحتل 27 جنديا بريطانيا و9 قتلى من الجنود الهنود، ومجموعة من الأرمن.. لكن مسيرة مصر نحو الديمقراطية لاتزال فى الطريق.
فالجهاد الأصغر انتهى بالاستقلال.. لكن الجهاد الأكبر نحو توازن السلطات والوعى الدستورى، لم ينته، وربما هو أطول مما نعتقد.