لكل عصر جمهوره ولكل زمان ناسه وأهله ومزاجه تلك هى نظرية التلقى التى تعتمد على تغير الاذواق واختلاف الإدراك وتعدد الرؤى لكل متابع ومتلق وقارئ ومشاهد ومتذوق للعمل الفنى والأدبى، حيث تتبدل الثقافة والمجتمع والقيم الفنية وإيقاع الحياة ومعها إدراك وذائقة المتلقى، فما كان ملائما منذ مائة عام لن يصلح لنا فى هذا العصر والأجيال تتعاقب وتتطور سلبًا وإيجابًا، لذا فأن فكرة إعادة إحياء التراث الحديث هى محاولة لإنعاش ذاكرة الأجيال الجديدة مما يتناسب ويتلاءم مع إيقاع العصر البصرى التقنى السريع الذى يعيشونه، وقصة حياة كوكب الشرق أو الست أم كلثوم سيدة الغناء العربى فى القرن العشرين مادة خصبة وثرية لأن يتناولها الكتاب والمخرجون فنجد رائعة محفوظ عبد الرحمن وإنعام محمد على فى المسلسل التلفزيونى أم كلثوم ١٩٩٩ بطولة الجميلة صابرين وما قدمه من سيرة حياة مفصلة لصعود تلك الفرحة المصرية لقمة الهرم الفنى مع سرد درامى للتحولات السياسية والاجتماعية الكبرى والتى أثرت على مسيرتها الفنية وعلى الوطن، ثم جاء فيلم كوكب الشرق للمخرج الكبير محمد فاضل وإبراهيم الموجى والرائعة فردوس عبد الحميد والعظيم محمود ياسين ليعرض حكاية حب وصراع وإبداع بين ثومة ورامى والجانب الإنسانى العاطفى لأم كلثوم مع بعض الإرهاصات السياسية لثورة ١٩٥٢ ودور أم كلثوم الوطنى، ولا ننسى المسلسل الإذاعى عن أم كلثوم ١٩٧٥ تأليف كمال الملاخ وإخراج سمير عبد العظيم بطولة سميحة ايوب لكنه لم يحظى بذات الجماهيرية للعمل التلفزيوني…. وأخيرًا قرر الكاتب والمنتج مدحت العدل إن ينعش ذاكرة الفن بإنتاج عمل مسرحى غنائى استعراضى بتقنيات بصرية حديثة تستخدم آليات العصر من هيلوجرام وسينوغرافيا وتكنولوجيا سمعية وبصرية حديثة فى عمل عن أم كلثوم برؤية تتناسب مع فكر وذائقة الجيل أو الجمهور المستهدف مع نص لا يغفل الجمهور القديم التقليدى للمسرح؛ فيخرج العرض الفنى بأصوات شابة وممثلين جدد ليمتزج القديم والحديث فى المعنى والمضمون مع الشكل والفورم.
القصة والحكاية عن زمن فات وفنانة ولدت فى أواخر القرن التاسع عشر وتألقت فى القرن العشرين حتى رحلت ١٩٧٥ ومع هذا فإنها باقية بصوتها وكلمات أغنياتها وألحان عباقرة العصر الماضى والحالى من رامى وعبد الوهاب محمد وناجى وشوقى إلى القصبجى وزكريا أحمد والسنباطى وبليغ وعبد الوهاب كل ببصماته الغنائية وملامحه الإبداعية لعصر يحتفل بالكلمة واللحن والاداء الذى جمع شتات الأمة العربية وقضى على خلافات الشعوب والأسرة المصرية وهى تجتمع كل خميس لتسمع شدو الست.. العرض قدم أصواتا مبدعة لأسماء الجمل ومحمد صلاح الدين وليديا وكذلك ممثلون جدد أحمد الحجار وسعيد سلمان وملك أحمد الطفلة فى دور أم كلثوم.. وعماد إسماعيل من الجيل الوسط المسرحية غنائية وكلمات الشاعر مدحت العدل امتزجت بأغنيات رامى وبيرم وربعيات الخيام كما ركز الكاتب والمخرج على تقديم شخصية أم كلثوم فى لقطات سريعة ولحظات فارقة ومحاولة كشف الصراع الداخلى بسبب عدم الإستقرار العاطفى والأسرى الذى عانت منه فى مرحلة الشباب..
الصورة البصرية والاستعراض والرقص يميل إلى الحداثة وفن البالية فى تمارج جديد غير مألوف مع أغنيات شرقية الإيقاع كلاسيكية المعنى.. المخرج أحمد فؤاد إكتشاف ينبئ بنقلة فى المسرح الغنائى الإستعراضى وإنتاج العدل يثرى المسرح وإن كانت التكلفة وبعد المسافة للمسرح تؤثر سلبًا على مساحة الجمهور المستهدف للعرض.. لكنها آليات السوق ما دامت الدولة لا تدعم الفنون بشكل كاف ووافى.. من حق الشباب أن يشاهد ويعرف رموزه وتاريخه الحديث لأنه يستحق ذلك.. أتمنى عرض المسرحية بوسط البلد وفى المحافظات الكبرى للجمهور العريض بالتعاون والدعم من وزارة الثقافة.. تحية واجبة لفريق العمل وللكاتب والمنتج مدحت العدل..