النقل العربي يدخل عصر الذكاء الاصطناعي ويتعهدون بدعم فلسطين والسودان
في لحظة فارقة تعكس إرادة عربية جماعية لمواكبة المستقبل، انعقدت الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس وزراء النقل العرب في القاهرة، حاملةً على عاتقها هموم الحاضر وتحديات المستقبل. تحت رعاية مصر والتي وصفها المسؤولين بأنها "الأم الداعمة" لكل الاجتماعات والاتفاقيات العربية.
وبحضور الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، والدكتور إسماعيل عبد الغفار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، ووزراء العرب، اجتمعت العقول والخبرات لرسم ملامح منظومة نقل عربية متطورة، تكون قادرة على دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتعزيز التكامل الإقليمي. لم تكن الجلسات مجرد مناقشات روتينية، بل تحولت إلى منصة استراتيجية للتصدي للتحديات الإنسانية والتنموية التي تواجه الأمة، حيث تزامن حديث وزراء النقل العرب عن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي مع مناقشات عاجلة حول إعادة إعمار غزة ودعم البنية التحتية للنقل في السودان، مما يؤكد الترابط الوثيق بين استقرار المنطقة وازدهارها.
واستلمت الدكتورة نورة محمد خالد المشعان، وزيرة الأشغال العامة بالكويت والتي رئاسة الاجتماع من دولة فلسطين، وأكدت أن قطاع النقل يشكل محركاً أساسياً لتسهيل التجارة والاستثمار، لافته أنه تم اعتماد مجموعة من البنود الاستراتيجية التي تمثل خارطة طريق حقيقية، ترتكز على توحيد المواصفات والمقاييس للشاحنات بين الدول العربية، وتفعيل البوابة الإلكترونية الموحدة للنقل البري، واعتماد مكونات النقل الذكي والمستدام في الاستراتيجيات الوطنية. كما حظيت مجالات النقل البحري والسككي والنهري باهتمام كبير، مع التشديد على تشجيع الاستثمار الخاص في البنية التحتية.
في كلمة مؤثرة، نقل السفير مهند العكلوك، المندوب الدائم لفلسطين، حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة، موضحاً أن 80% من شبكة الطرق قد تدمرت وأكثر من 85% من المركبات الخدمية تعطلت، مما تسبب في "شلل شبه كامل لمنظومة الحركة والإمداد الإنساني". وطالب بضرورة دعم عربي عاجل لتأهيل شبكات النقل، مشيراً إلى أن احتياجات القطاع تقدر بـ 2.9 مليار دولار لإعادة الإعمار. كما أشاد بالجهود المصرية في الإعداد للمؤتمر الدولي لإعمار غزة المقرر نهاية نوفمبر 2025، معتبراً إياه "محطة محورية" لإطلاق مسار إعمار منظم.
في كلمته، أشار السفير الدكتور علي المالكي، الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، إلى الأهمية المحورية لقطاع النقل، الذي يساهم بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية ويوفر فرص عمل لنحو 10% من القوى العاملة. كما سلط الضوء على دور التكنولوجيا الحديثة، مباركاً لمصر نجاح معرض "ترانس ميا" للنقل الذكي، والذي يمثل منصة محورية لتبادل الخبرات وصياغة الرؤى المستقبلية.
من ناحيته، وجه سيف النصر التجاني هارون، وزير البنية التحتية والنقل السوداني، دعوة صريحة للأشقاء العرب لدعم خطط تعافي قطاع النقل في السودان، والذي يعاني من تداعيات "ممارسات الميليشيات الإرهابية" التي استهدفت البنية التحتية. وشدد على أن الرؤية السودانية تتطلب "سياسة مرنة وشاملة" تربط السودان بمحيطه الإقليمي والدولي، معرباً عن انفتاح بلاده على التعاون العربي، ومشيداً بمشاريع الربط مع مصر كنموذج يحتذى به.
اختتمت أعمال الدورة بتأكيد جماعي على أن تطوير منظومة النقل العربي هو استثمار في المستقبل وضمانة للاستقرار. جاءت القرارات لتعكس وعياً عميقاً بأن الطريق نحو التنمية الشاملة يمر حتماً عبر شبكة نقل عربية متكاملة، ذكية ومستدامة، قادرة على مواجهة التحديات واغتنام فرص العصر، مع عدم إغفال الواجب الأخلاقي والإنساني نحو دعم الأشقاء في فلسطين والسودان لتمكينهم من استعادة مقومات الحياة والحركة.