الدكتور عصام عيسوي يقدم موسوعة في تاريخ اللغة وتطورها ومرونتها
في كتابه الأحدث "المعجم الموسوعي لألفاظ الحضارة وأدواتها في الوثائق الرسمية المصرية"، يقدم الدكتور عصام أحمد عيسوي، أستاذ الوثائق والمعلومات بكلية الآداب جامعة القاهرة، رصدا نادرا وتحليلا عميقا لألفاظ ومصطلحات الحضارة المستخدمة في الدواوين الحكومية المصرية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
العمل الموسوعي الذي قدمه الدكتور عصام يتضمن مفاجآت عدة في تكوين وتشكيل وامتداد ونحت ألفاظ الحضارة، وكيفية تطويعها لتقديم وظيفة حيوية في الحياة اليومية، ويربط بين هذه الألفاظ وجذورها العميقة الممتدة عبر الحضارة المصرية بسنواتها الموغلة في القدم.
من المتخصصين القلائل
وينطلق الجهد البحثي المحكم للدكتور عصام عيسوي من مواقع مهمة ينتمي إليها في المجال الأكاديمي كأستاذ جامعي أو العمل العام كعضو في الاتحاد الدولي للغة العربية، ما يجعله من المتخصصين القلائل الذين قرروا التصدي لهذا العمل في دراسة تاريخية وئاقية تحليلية محكمة.
وخلال المقدمة التي كتبها الأستاذ الدكتور أنس عطية الفقي، مدير مركز تحقيق التراث، أكد أن هذا المعجم الموسوعييمثل ثمرة جهد علمي متواصل، امتد عبر سنوات من البحث المضني في الوثائق الرسمية المصرية في القرنين التاسع عشر والعشرين، تلك الوثائق التي لا تكشف عن ألفاظ ومصطلحات فحسب، بل تحمل في طياتها ذاكرة حضارية كاملة تضيء ملامح المجتمع المصري في تاريخه الحديث.
ويلفت إلى أن هذا العمل يؤكد على مرونة اللغة العربية وقدرتها على التطور ومجاراة الاختراعات والاكتشافات العصرية الحديثة وتضمينها ضمن لغة الخطاب اليومية، بالإضافة إلى اعتبارها جزءا مهما من التوثيق التاريخي لأحوال المصريين في القرنين التاسع عشر والعشرين.
ويستشهد الكاتب الأشعار والأقوال المأثورة التي تعلي من شان اللغة وتضعها في موضعها الطبيعي كأنها كائن حي يعيش ويكبر ويتطور ويتسع ليستقبل كل ما هو جديد ويصهره في بوتقة اللسان العربي. وهنا تأتي أبيات حافظ إبراهيم الشهيرة:"وسعت كتاب اللـه لفظًا وغاية ومـا ضـقت عن آي به وعظات"
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيـق أسماء لمخترعـات
أنـا البحر في أحشـائه الدر كامن، فهل ساءلُوا الغواص عن صدفاتي"
يتجلي في الكتاب بهاء اللغة العربية وقدرتها على التعامل مع مفردات الحياة اليومية عبر السجلات الحكومية الرسمية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي حقبة تاريخية مهمة جدا تواكب إلى حد كبير زحف الثورة الصناعية من أوروبا إلى مصر وانتقال الآلات المتطورة إلى مصر تدريجيا، ومن ثم البحث عن معادل لغوي للتعامل من خلاله.
يعتمد المعجم على الترتيب الهجائي في وضع الكلمات والألفاظ وتفسيرها وتحليلها ليقدم منها في النهاية مادة تثري المكتبة العربية، وتضيء الطريق أمام الباحثين في ميدان التراث واللغة والتاريخ.
ويعكس صدور هذا المعجم الموسوعي عن مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، رسالة المركز والجامعة معاً في خدمة اللغة العربية وصون ذاكرتها الحضارية، وتقديمها للدارسين والباحثين في صورة موثقة رصينة.
واعتمد المؤلف في معجمه على الوثائق والسجلات التاريخية الأصلية للدواوين والمصالح الحكومية التي ترجع إلى القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين مثل: «سجلات حصر تركات المتوفيين، وسجلات تثمين وبيع التركات التي دونت في ديوان بيت مال مصر وفروعه بالأقاليم خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وهي سجلات غنية بالألفاظ والمصطلحات الحضارية التي لم يسبق نشرها من قبل، أو تحقيقها تحقيقاً عامياً.
يقدم لنا المؤلف في النهاية رؤية تحليلية لألفاظ الحضارة وما بها مرونة واستيعاب لكل ما هو جديد، بطريقة منهجية وأسلوب علمي رزين اعتمد على الوثائق الرسمية وليس الثانوية أو الفرعية مثل الأشعار أو الروايات التاريخية أو الشفاهية، ويمثل هذا العمل ما يمكن اعتباره موسوعة وثائقية في تاريخ اللغة العربية وعلومها وتطورها ومرونتها وارتباطها بالحضارة ومواكبيتها لها بشكل مستمر.
