رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

ثقب أسود يبتلع نجمًا ضخمًا على بُعد 10 مليارات سنة ضوئية.. وتوهجه يعادل ضوء 10 تريليونات شمس

بوابة الوفد الإلكترونية

 في اكتشاف فلكي مذهل يكشف عن جانب جديد من أسرار الكون، أعلن علماء الفلك عن رصد أكبر وأبعد توهج لثقب أسود تم تسجيله في التاريخ، في حدث كوني يثير الدهشة والإعجاب على حد سواء.

 هذا التوهج وقع في نواة مجرة نشطة تبعد عن الأرض نحو 10 مليارات سنة ضوئية، ما يعني أن الضوء الذي نراه اليوم انطلق عندما كان الكون في بدايات شبابه، أي قبل مليارات السنين من ظهور كوكبنا.

 ويؤكد الباحثون أن هذا الثقب الأسود الهائل تبلغ كتلته 500 مليون مرة كتلة الشمس، وهو ما يجعله من أضخم الثقوب السوداء التي تم رصدها على الإطلاق.

 وقد رُصد التوهج المذهل لأول مرة عام 2018 عبر منشأة زويكي العابرة (Zwicky Transient Facility)، وهي مرصد متطور تابع لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، قبل أن تُجرى تحليلات مفصلة لاحقًا كشفت عن تفاصيل الحدث المذهل.

 ويرجح العلماء أن ما حدث كان نتيجة ما يُعرف بـ "الاضطراب المدّي"، وهي ظاهرة تحدث عندما يقترب نجم من ثقب أسود بدرجة كبيرة، فتقوم قوة الجاذبية الهائلة بتمزيقه وابتلاعه بالكامل. ووفقًا للفريق البحثي، فإن النجم الذي ابتلعه هذا الثقب الأسود كانت كتلته تعادل 30 مرة كتلة شمسنا، ما جعل عملية التهامِه تُطلق طاقة تفوق الخيال.

 وفي ذروة التوهج، أطلق الثقب الأسود إشعاعًا يعادل ضوء 10 تريليونات شمس، وهي كمية من الطاقة تكفي لإضاءة مجرات بأكملها. ويصف العلماء المشهد بأنه "عرض كوني من نوع خاص"، إذ تتصاعد موجات هائلة من الإشعاع والحرارة في الفضاء المحيط بالثقب الأسود، قبل أن تتلاشى تدريجيًا على مدار سنوات طويلة.

 وقال البروفيسور ماثيو جراهام، الباحث الرئيسي المشارك في الدراسة وأستاذ علم الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، إن هذا الحدث "يُعد واحدًا من أكثر الظواهر الفلكية غرابة على الإطلاق"، موضحًا: "لم نشهد من قبل نواة مجرية نشطة تُصدر هذا النوع من التوهج بهذا الحجم والسطوع. نحن أمام حدث يتجاوز كل ما سجلناه سابقًا من حيث الطاقة والزمن والموقع".

 ويضيف جراهام أن ما يجعل هذا الاكتشاف مميزًا هو أن الظاهرة لم تكن مجرد ومضة عابرة، بل استمرت لفترة طويلة نسبيًا، مما سمح للفريق بجمع بيانات دقيقة عن تطور سطوع التوهج ومدى انتشاره. وقد أتاح ذلك للعلماء فرصة نادرة لدراسة آلية التهام الثقوب السوداء للنجوم، وكيف تؤثر هذه العمليات على المجرة المحيطة بها.

ووفقًا لتقرير نشره معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، فإن الدراسة كشفت أن هذه النواة المجرية النشطة تختلف عن أي نواة أخرى تم رصدها، سواء في طبيعة الضوء المنبعث أو في الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عنها. ويعتقد الباحثون أن الحدث ربما يمثل مرحلة انتقالية في حياة بعض المجرات العملاقة، حيث تُعيد الثقوب السوداء تشكيل بيئتها الكونية من خلال موجات الطاقة الهائلة التي تطلقها.

 وتشير البيانات إلى أن مثل هذه الظواهر النادرة قد تكون أكثر شيوعًا في المراحل الأولى من عمر الكون، حين كانت المجرات تتكون بسرعة هائلة وتتعرض لتفاعلات عنيفة. لذلك يرى العلماء أن دراسة هذا الحدث توفر نافذة فريدة على تاريخ تشكّل المجرات والثقوب السوداء، وتساعد على تفسير كيفية تطور الكون في مراحله الأولى.

 كما يسلط الاكتشاف الضوء على التطور الكبير في أدوات الرصد الفلكي الحديثة، التي باتت قادرة على التقاط أحداث تحدث على مسافات تفوق قدرة التلسكوبات القديمة بأضعاف مضاعفة. ومع تطور مشروعات مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، يتوقع الباحثون أن يشهد العقد المقبل اكتشافات أكثر إثارة تتعلق بالثقوب السوداء العملاقة والنشاط المجرّي المبكر.

 ويؤكد العلماء أن هذا التوهج غير المسبوق لا يمثل نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من الاكتشافات، إذ ستُستخدم نتائجه في تطوير نماذج رياضية أكثر دقة لفهم طبيعة الجاذبية الفائقة وسلوك المادة عند اقترابها من أفق الحدث.

 ويختم جراهام تصريحه قائلًا: "هذا النوع من الأحداث يذكّرنا بمدى ضآلة حجمنا أمام الكون. فبينما نحاول نحن البشر فهم هذه الظواهر البعيدة، هناك قوى كونية هائلة تتحكم في مصير المجرات نفسها".

 إن هذا الاكتشاف ليس مجرد إنجاز علمي، بل خطوة جديدة في رحلة الإنسان لفهم أعقد أسرار الوجود. فالثقوب السوداء، التي كانت تُعد رموزًا للظلام والاختفاء، باتت اليوم من أكثر مصادر الضوء والطاقة في الكون، لتؤكد مجددًا أن أعظم الظواهر قد تولد من أعماق السكون والظلام.