تصحيح مسار
بعد سنوات من الترقب والعمل الدؤوب، شهد العالم تحقيق الحلم المصرى بافتتاح المتحف المصرى الكبير، الصرح الثقافى الأضخم فى العالم المخصص لحضارة واحدة، لقد كان حفل الافتتاح الرسمى الباهر حدثا تاريخيا بكل المقاييس، حيث تضافرت فيه العبقرية التنظيمية مع فخامة التاريخ، ليصبح ليلة لا تُنسى، بحضور عدد كبير من الملوك والرؤساء والمسئولين رفيعى المستوى من كل قارات العالم، أعلنت مصر للعالم أن كنوزها القديمة وجدت أخيراً مأواها العصري اللائق بها، وأن بوابة الحضارة فُتحت على مصراعيها للجميع، هذا الافتتاح ليس مجرد تدشين لمبنى، بل هو إعلان عن ميلاد حقبة جديدة للسياحة والوعى الثقافى.
لقد كان لافتتاح المتحف المصرى الكبير والحفل المهيب الذى سبقه، وتلى ذلك ردود الفعل الإيجابية الخارجية الواسعة، تأثير مباشر ومحورى فى تحقيق مكاسب متعددة الأبعاد لمصر، بداية من المكاسب السياسية والدبلوماسية بالتواجد والحضور الرفيع المستوى في الافتتاح يؤكد على ثقة المجتمع الدولي في استقرار مصر وقدرتها على إنجاز مشروعات عملاقة بنجاح، مما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية، كما أن المتحف يمثل أداة قوية للدبلوماسية الثقافية المصرية، حيث يقدم صورة حديثة ومتقدمة عن الدولة، ويؤكد على دورها الحضارى كمركز إشعاع ثقافى عالمى، والمساهمة فى تصحيح الصورة الذهنية عن مصر عن طريق الردود الإيجابية من الإعلام العالمى والقادة الدوليين والتى تساهم فى تفنيد أى صور سلبية سابقة، وتقدم مصر كوجهة آمنة وجاذبة للاستثمار والسياحة.
أما المكاسب الاقتصادية فالمتحف هو المنتج السياحى الأهم فى القرن الحالى، ومن المتوقع أن يزيد معدلات الإقبال السياحى على مصر بشكل غير مسبوق، خاصة السياحة عالية القيمة «المهتمة بالآثار والحضارة»، بما يعزز مساهمة المتحف بشكل مباشر في زيادة الإيرادات من مبيعات التذاكر والخدمات والمحال التجارية المحيطة، وتنشيط قطاعات النقل والإقامة، وتوفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاعات الترميم، الإدارة، الضيافة، والنقل.
ثم تأتى المكاسب الثقافية والاجتماعية بداية من الحفاظ على التراث، بتوفير المتحف البيئة المثلى لحماية وعرض كنوز مصر، وعلى رأسها مجموعة توت عنخ آمون الكاملة، وفقًا لأحدث المعايير العالمية، مما يضمن بقاء هذا الإرث للأجيال القادمة، مرورا برفع الوعى الوطنى، فالمتحف يمثل فضاء تعليميا وثقافيا للمصريين أنفسهم، حيث يعزز من الشعور بالفخر الوطنى والارتباط بالحضارة العريقة، وكذلك تطوير المحيط العمرانى للمتحف، من خلال المساهمة في تطوير وتجميل محيطه العمرانى حول منطقة الأهرامات، مما يعود بالنفع على سكان المنطقة.
أما بعد النجاح الباهر للافتتاح العالمى وأهمية المتحف كصرح تعليمى قبل أن يكون سياحيا، نوجه رسالتنا بإلحاح إلى إدارة المتحف المصرى الكبير، ووزارة السياحة والآثار، ووزاراتى التعليم العالى والتربية والتعليم، بتطبيق تخفيضات هائلة ومستدامة على تذاكر الدخول، مع إمكانية أن تصل إلى إعفاء نهائى، لجميع الشباب وطلبة المدارس والجامعات المصرية، والعمل على جعل زيارة المتحف كجزء من المنهج التعليمى الوطنى، وتسهيل الإجراءات للرحلات المدرسية والجامعية، لما يهدف إلى ضمان أن يصبح هذا الكنز الحضاري متاحا لكل مصرى، خاصة الأجيال الجديدة، لغرس الشعور بالهوية والانتماء والفخر بحضارتهم العريقة، فالاستثمار في الوعى هو أعلى قيمة مضافة للمتحف.
لقد تجاوز افتتاح المتحف المصرى الكبير كونه مجرد حدث ثقافى، ليصبح بيانا سياديا يؤكد مكانة مصر الحضارية بين الأمم، بداية من الحفل الباهر، مرورا بردود الفعل العالمية الإيجابية، ووصولا إلى المكاسب المتعددة التى تنتظر مصر، كلها تشير إلى أن هذا الصرح سيصبح قاطرة التنمية الثقافية والسياحية والاقتصادية لمصر، ويبقى التحدى الأهم والأكبر هو استدامة هذا النجاح، وضمان أن يظل المتحف مرجعا عالميا ووطنيا، متاحا للجميع، ليواصل رسالته فى تأكيد أن الحضارة المصرية هي إرث لا يفنى ولا يتوقف تأثيره.