رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

الحوار ليس مجرّد كلماتٍ تتبادلها الألسن، ولا هو سباقٌ لإثبات وجهة نظر، بل هو فنّ راقٍ من فنون الوعي الإنساني، يحتاج إلى حسٍّ راقٍ، وعقلٍ ناضج، وقلبٍ متّزن يعرف كيف يُصغي قبل أن يتكلّم، وكيف يَفهَم قبل أن يُحكِم.
هو مساحة يلتقي فيها العقول لتتعارف، لا لتتصارع، وليتكامل الاختلاف فيها لا ليتنافر.
لكن هذا الفنّ الجميل — رغم بساطته الظاهرة — صعبُ الإتقان، لأننا كثيرًا ما نخلط بين الحديث والحوار، وبين الجدل والبحث عن الحقيقة.
فالحديث قد يكون مجرّد رغبةٍ في التعبير، أمّا الحوار فهو رغبة في الفهم.
والجدلُ محاولة لفرض الرأي، بينما الحوارُ سعيٌ صادق للوصول إلى أرضٍ مشتركة من الوعي.
إنّ أولى أدوات الحوار الحقيقية هي الإصغاء.
أن نصغي لا بآذاننا فحسب، بل بصفاء نوايانا، وبقلبٍ مستعدّ لأن يسمع المختلف كما يسمع المتّفق.
أن نمنح محاورنا الفرصة ليُفصح عن فكرته كاملة دون أن نُقاطع أو نحاكم أو نستهزئ.
فالإصغاء ليس ضعفًا، بل هو أرقى درجات القوة؛ لأنّ من يُحسن الإصغاء يملك السيطرة على ذاته، ولا يندفع وراء انفعالاته.
وربّ كلمةٍ لم تُعجبنا لو أمهلناها لحظةً في عقولنا، لاكتشفنا أنّها نافذة على زاويةٍ جديدة من الفهم.
وربّ فكرةٍ ظننّاها بعيدة عن الحقّ، فإذا بها تُضيء لنا طريقًا نحو وعيٍ أوسع مما كنّا نتصوّر.
أما الأداة الثانية من أدوات الحوار، فهي الحياد والتجرّد.
أن ندخل الحوار دون أفكارٍ مسبقة، ودون نيةٍ في الانتصار، بل بنيةٍ في البحث المشترك عن الحقيقة.
فالمتحاور حين يتشبّث برأيه كأنّه الحقيقة المطلقة، يُغلق كلّ بابٍ للفهم، ويحوّل الحوار إلى جدارٍ من العناد.
لكن حين نتحرّر من فكرة الامتلاك، نصبح أكثر استعدادًا لأن نُبصر بعينَي الآخر، فنفهم لماذا يرى ما يرى، ويؤمن بما يؤمن.
ولعلّ أجمل ما في الحوار أن نتعلّم التواضع الفكري، أن ندرك أنّ حقيقتنا ليست الشمس التي تدور حولها الكواكب، بل هي نجمةٌ صغيرة في سماءٍ فسيحةٍ تمتلئ بالأنوار.
كلّ إنسان يحمل جزءًا من الحقيقة، تمامًا كما تحمل كلّ زهرةٍ في الحقل لونًا من ألوان الجمال.
فالمثقفون الحقيقيون يدركون أنّ الاختلاف ليس تهديدًا، بل ثراءٌ إنساني، وأنّ التنوّع في الفكر كالتنوّع في الطبيعة، به يكتمل التوازن ويُصنع الجمال.
أما الأسوياء، فهم أولئك الذين تنتهي حواراتهم مع المختلفين بسلامٍ داخليّ واحترامٍ متبادل، لا بخسائر في العلاقة أو جراحٍ في الكرامة.
الحوار إذًا ليس أداة لإقناع الآخرين فحسب، بل هو رحلة لاكتشاف الذات أيضًا.
فحين نصغي للآخر بصدق، نكتشف مدى اتساع أو ضيق أفقنا، ونرى وجوهنا في مرآةٍ جديدة، قد تُظهر لنا ملامح لم نكن نلحظها من قبل.
إنه تمرينٌ على الصبر، والتسامح، والقدرة على رؤية الإنسان في من يختلف عنا.
وفي زمنٍ أصبحت فيه الأصوات أعلى من الأفكار، والجدل أسرع من الفهم، تزداد الحاجة إلى أن نعيد اكتشاف هذا الفنّ الإنساني العظيم.
فالحوار هو ما يُبقي الجسور ممدودة بين القلوب، ويُطفئ نار الخلاف قبل أن تشتعل، ويمنحنا القدرة على أن نعيش معًا رغم اختلافنا.
فإن لم تكن تمتلك روح المحاور، فاجلس مع نفسك وتأمل أفكارك بصمتٍ عاقل.
وإن جلست مع الآخرين ولم تستطع أن تقول خيرًا، فالصمت أكرم، وأعمق، وأجمل.