استوقفتنى تصريحات نقيب الفلاحين بأن الجلوس مع الحمير له فوائد علاجية ويحسن الصحة النفسية، ظننت فى البداية أنها تصريحات نابعة عن تجارب مرئية شاهدها الرجل أو عايشها بنفسه، لكن الأمر لم يكن كذلك، فقد أعاد نقيب الفلاحين ذكر ما تداولته الأخبار عن جمعية «الحمار السعيد» الإسبانية منذ خمس سنوات تقريباً، وما قدمته للطواقم الطبية خلال جائحة كورونا، بتوفير برامج علاجية مجانية بقضاء ساعات من الراحة والاسترخاء برفقة حميرها فى إطار مشروع «الدكتور الحمار» الذى أطلقته وقتها.
فبدأت الإعداد لكتابة مقال ساخر عن فوائد معايشة الحمير والجلوس معهم، والشكوى إليهم مما يعانيه البعض من ضغوطات يومية، أو ما يعانيه أولياء الأمور من سياسات وزير التربية والتعليم، ثم الفضفضة لتلك الحمير عن الجرائم الغريبة التى نسمع عنها مؤخراً وتصيبنا بحالة من الارتباك قبل الذهول...إلخ ، ثم تحولت عن تلك البداية بالبحث الجدى عن فوائد الحمير العلاجية، ومدى قدرتها على تخفيف الضغوط النفسية للبشر، ربما أعثر على دراسة علمية تفى بهذا الغرض لسرد تلك الفوائد، والاستفادة الجدية منها.
خلال عملية البحث، زرت الموقع الإلكترونى لـ«محمية الحمير» The Donkey Sanctuary، بالمملكة المتحدة، ولفت انتباهى دستور عمل تلك المحمية، إذا جاز لنا استخدام هذا المصطلح، والذى يتركز فى ثلاث نقاط:
- المهمة: تحسين حياة الحمير كل يوم.
- الرؤية: خلق عالم يتمتع فيه كل حمار بنوعية حياة جيدة.
- التأثير: نصنع عالماً أفضل للحمير.
ثلاث نقاط يمكنك أن تحسد عليها الحمير أو تصيبك الغبطة منهم، أيهما أقرب إلى قلبك، وربما تمنى البعض بعد هذه النقاط الثلاث أن يكون واحداً من قاطنى تلك المحمية، بما تقدمه من رعاية صحية وتعليمية، نعم تعليمية، وتسخير كافة الموارد والخبرات لتحقيق حياة أفضل لأكبر عدد من الحمير، ثلاث نقاط تشكل عالم مختلف من الحمير تحيطها أسوار الحماية، وتوفير سبل الراحة لحياة هادئة مطمئنة.
ما يصيبك بالدهشة، نظرة «المحمية» إلى الحمير ودفاعها عنهم، وكأنها تستنفر بداخلك مشاعر الحقد اتجاه تلك الحمير، فترى المحمية أنها ذكية للغاية، ليست عنيدة بل حذرة، ليست جاهلة بل صامدة، وأنه يمكن للحمير تحسين مهاراتها الحياتية، ما يمنحهم القدرة على مواجهة المواقف بثقة بدلاً من القلق، مؤكدة أن أحد أهدافها الرئيسية هو تغيير النظرة السائدة للحمير، ورفع مكانتها فى جميع أنحاء العالم.
مشاعر الحقد البشرى تزداد اتجاه تلك الحمير، مع كل سطر تقرأه من خدمات تقدمها تلك المحمية لحميرها وما تفعله لأجلها، خاصة عندما تعلم أنها قامت بإنقاذ أكثر من 70 حماراً كانت تعيش فى ظروف قاسية، فى أكبر عملية إنقاذ فى تاريخها كما وصفتها، قالت عنها رئيسة قسم الرعاية هناك: «إن اللحظة التى ستظل عالقة فى ذهنها إلى الأبد، عندما انفتحت أبواب إحدى الحظائر، ورأينا وجوه حوالى 20 حمارًا تحدق بنا من الظلام»، كانت تلك الحمير تعيش فى ظروف قذرة، إلى تمت إنقاذها وإعطاؤها فرصة ثانية للحياة والتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً، لن أزيد مشاعر الحسرة أكثر من ذلك، ولن أذكر قصة «زهرة الربيع» تلك الحمارة التى تم إنقاذها، وما خضعت له من عمليات إعادة تأهيل، وما تسبب فيه الماضى الأليم الذى عانت منه.
أخيراً: رغم مشاعر الحقد والحسد أو الغبطة والحسرة التى يمكن أن تصيب البعض مما كتبت، لكن هذا واقع يعيشه عدد من الحمير أصحاب الحظوظ السعيدة فى الحياة، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك حميرًا لا زالت بعيدة عن أيدى تلك المحمية، تعانى من قسوة الحياة ومرارة العيش، فى انتظار إعادة التأهيل والتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً.