مراجعات
المشهد الانتخابي في مصر، يشهد حالة من الحِراك المفاجئ، الذي يبدو في ظاهره نابضًا بالحياة، لكنه يعكس تحديات متراكمة، بين الرغبة في تعزيز المسار الديمقراطي، ومحدودية الأدوات على أرض الواقع.
الآن، نحن على أعتاب استحقاق برلماني، لا جديد فيه، سوى أننا نعيش تفاصيل مُعَادة في كل موسم انتخابي، ومشاهد مألوفة، بشخوصٍ ووجوهٍ «مقررة ومكررة»، لا يغيِّر فيها الزمن سوى حجم اللافتات وعدد «البانرات»!
من جديد، «تشتعل» الدوائر الانتخابية، وتدبُّ الحركة في الشوارع والميادين، فيخرج «ابن الدايرة» ـ كما يسمي نفسه ـ «للتنافس» على مقعد البرلمان، من دون أن يسأل نفسه: ما الذي سيفعله بعد جلوسه تحت القبة، وحصوله على لقب «سيادة النائب»؟!
للأسف، ما نلاحظه هو عودة مفاجئة لوجوهٍ غابت لسنوات عن المشهد الشعبي... زيارات عائلية مكثفة، اتصالات حارَّة بعد طول انقطاع، أحضان مصطَنعة، عباراتُ محبةٍ تُوَزَّع كأنها منشورات انتخابية!
إذن، ها هو «ابن الدايرة» يعود للظهور، ليؤكد أنه لم ينسَ أحدًا، وأنه الوحيد القادر على انتزاع حقوقهم المسلوبة... يضحك الناس في سرِّهم، لأنهم يعرفون أنه يتذكرهم فقط عند الاستحقاق الانتخابي، تمامًا كما يزور الطبيبُ المريضَ في آخر لحظات عمره وهو يحتضر.. لا ليُعالجه، بل ليشهد على النهاية.
اللافت أن الناس يسيرون وسط الزحام الانتخابي بـ«ملامح محايدة»، لا هم متحمسون ولا هم غاضبون، لأنهم فقدوا «إحساس المفاجأة»، لقناعاتهم بأن نتيجة الانتخابات لن تغير شيئًا في معادلة هموم وأعباء الحياة اليومية، والنجاة من طوفان الغلاء!
أما الأحزاب السياسية، فغالبيتها غائب تمامًا عن المسرح السياسي والشعبي، إلا من لافتاتٍ باهتة تذكرنا بأنها لا تزال على قيد الحياة، لتكتفي بدور «الديكور السياسي» الذي يُستدعى عند الحاجة!
للأسف، يتكالب المرشحون على الفوز بالمقعد، وكلٌّ منهم يزعم أنه الأقرب إلى الناس، وأنه خادمهم الأمين، فتُقام الولائم، وتُطلَق «الوعود الموسمية»، التي تتبخر مع أول جلسةٍ برلمانية!
وسط كل هذا الصخب، يكتفي الناخب بالمراقبة، وكأنه يشاهد مسرحيةً هزلية لا تستحق سوى بعض التعليقات الساخرة على المقاهي، أو منشورٍ ساخرٍ على مِنَصَّات التواصل الاجتماعي.
في النهاية، ينجح «ابن الدايرة»، ويبدأ عهد جديد من الغياب المبرَّر، ليختفي بعد أداء القسم، ولا يراه أهل دائرته إلا على شاشات التلفاز أو في الجنازات... وحين تعود الانتخابات بعد سنوات، يعود هو أيضًا، بنفس الابتسامة ونفس الكلمات، وكأن شيئًا لم يكن!
أخيرًا.. رغم أن الانتخابات واجب وطني، إلا أنها أصبحت لا تُثير اهتمامًا أو فضولًا، عند الكثيرين، وباتت أحد مشاهد «العادة السياسية» ـ التي نرجو الله ألا تنقطع ـ لكن يظل صوت المواطن هو حجر الأساس في بناء دولة تحكمها الإرادة الشعبية لا المصادفة.
فصل الخطاب:
يقول المؤرخ الفرنسي «ألكسيس دو توكفيل»: «الحرية هي الحق في أن تقول للناس ما لا يريدون سماعه».