رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

إن استعانة الاقتصادي الفرنسي المعاصر توماس بيكيتي بروايات القرن التاسع عشر، وخاصة أعمال الروائية الإنجليزية المبدعة جاين أوستن والكاتب الفرنسي الواقعي أونوريه دي بلزاك، لم يكن مجرد إضافة أدبية في تاريخ الأدب، بل كان بمثابة دليل إثبات اقتصادي بكتابه الشهير: رأس المال في القرن الحادي والعشرين (2013). 
لقد أراد بيكيتي أن يثبت أن الخطر الأكبر على الرأسمالية الحديثة يكمن في عودة بنية اقتصادية عتيقة. في تلك الحقبة، كانت قيمة رأس المال الموروث، المتمثلة في العقارات والأراضي، هي المقياس الحقيقي للقوة والطبقة. 
تشرح روايات أوستن مثل الفخر والازدراء (1813)، وكذلك العقل والعاطفة (1811) ببراعة كيف أن مستقبل الشابات كان مرهوناً بالزواج من رجل يمتلك "دخل الإيجار" المستمد من رأس ماله، وليس من رجل يكسب "دخل العمل" من مهنته.
الصورة الأدبية تثبت النبوءة: تتحدث الروايات عن دخل سنوي ناتج عن عوائد إيجار الأراضي، وهو ما يعكس قوة رأس المال الثابت ونموه المستقر الذي يفوق بكثير دخل طبيب أو محامٍ. التحليل الاقتصادي لبيكيتي استخدم هذه المشاهد ليؤكد إحصائياً أن نسبة الثروة إلى الدخل كانت في ذروتها خلال تلك الفترة. 
عندما تسيطر الثروة المتراكمة على الدخل المنتج، يصبح الوريث أهم من المُنتِج. وبينما ركزت أوستن على دخل المالك في إنجلترا، كانت مجتمعات بلزاك في فرنسا تظهر الوجه الآخر للصفقة. كان الزواج يمثل في جوهره صفقة مالية استراتيجية؛ لم يكن القرار يدور حول الحب والانسجام العاطفي، بل حول دمج الأصول، أو سعي طبقة حديثة الثراء لدمج أموالها مع مكانة عائلة عريقة تمتلك أصولاً عقارية ضخمة.
التجلي الأعمق: تجعلنا الروايات نرى أن اللامساواة لم تكن مجرد إحصائية عن توزيع الدخل؛ بل كانت بنية اجتماعية متكاملة تحدد مسار الحياة، وتشوه قيم العمل الحقيقي، وتجعل الزواج آلية لتداول الثروة بين الأغنياء بدلاً من أن تكون العلاقة دافعاً للتماسك الاجتماعي. إن استحضار بيكيتي لهذه المرحلة التاريخية هو دق ناقوس الخطر على عصرنا الحالي. 
عندما يتجاوز العائد على رأس المال النمو الاقتصادي بشكل كبير, فإن الرأسمالية المعاصرة تخاطر بالعودة إلى نمط القرن التاسع عشر. فبدلاً من أن نعيش في مجتمع يكافئ الجهد والعمل (دخل العمل)، نجد أنفسنا في مجتمع تهيمن عليه الأصول الموروثة (الأسهم، العقارات، الأصول الرقمية).
بهذا الربط، يثبت بيكيتي أن اللامساواة قضية أعمق من مجرد الأجور؛ إنها قضية "استحقاق وراثي" تهدم أساس المجتمع الصناعي القائم على الجدارة، مؤكداً أن الحب والزواج ليسا سوى ضحايا عرضية في صراع رأس المال الأبدي.