بعد تصريحات ارتفاع المؤشرات الاقتصادية.. تصريحات مدبولي بين الواقع والمأمول
مع اقتراب انتهاء العام المالي 2024/2025، أعلن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن الاقتصاد المصري يشهد تحسناً ملحوظاً في عدد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، مؤكداً أن برنامج الإصلاح الاقتصادي بدأ يؤتي ثماره على أرض الواقع مع التركيز على رفع جودة حياة المواطن المصري، غير أن التساؤل الأهم يبقى: هل انعكس هذا التحسن بالفعل على حياة المواطن العادي؟
جدير بالذكر، أن الحكومة بدأت منذ نحو عام ونصف بخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث كانت تلك النسبة حوالي 96%، ووصلت بنهاية السنة المالية 2024/2025 إلى حوالي 85%، كما تهدف لتخفيض العجز المالي الكلي من حوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.5% بحلول السنة المالية 2025/2026، بالإضافة إلى ارتفاع الاحتياطات الأجنبية إلى حوالي 49 مليار دولار، وانخفاض معدل التضخم السنوي من حوالي 14.4% إلى حوالي 13.1% في يوليو 2025، وتسجيل أعلى تدفّق للعملات الأجنبية في شهر واحد من مصادر متنوعة، باستثناء “المال الساخن”، حيث بلغت الموارد الدولارية في شهر يوليو 8.5 مليار دولار، ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام المالي 2024-2025 بنحو 4.5% مقارنة بـ 2.4% في العام السابق.
وبعد تلك المؤشرات تسائل الدكتور كرم سلام الخبير الاقتصادي الدولي، هل شعر المواطن العادي بهذا التحسن؟، مجيبًا عنه قائلًا:"رغم الأرقام الإيجابية والمؤشرات التي تم الإعلان عنها، هناك فروقات بين ما تُظهره البيانات الرسمية وما يشعر به المواطن العادي في حياته اليومية، فهناك التضخم وتكاليف المعيشة، حيث أن التضخم، وإن كان بدأ ينخفض قليلاً، لا يزال مرتفعاً، خصوصاً في أسعار السلع الأساسية، الغذاء، المواصلات، فمثلاً، مؤشر التضخم السنوي لا يزال فوق 13% بعد أن كان أعلى من ذلك، كما أن الانخفاض في قيمة الجنيه يتطلب وقتاً حتى تنعكس آثاره على القدرة الشرائية، خاصة أن السلع المستوردة والوقود والغذاء تعتمد كثيراً على العملة الأجنبية.
وتابع"سلام"، لا يجب أن ننسى الأجور والدخل، ففي بعض القطاعات والمناطق تحقّق زيادة في الأجور، ولكنها في مجملها لم تلحق تماماً بزيادة الأسعار، والمواطن العادي قد يشعر بأن دخل الأسرة لا يُغطي نفس الكميات من السلع والخدمات مثل السنة أو السنتين الماضيتين، وهناك الوباء، والأزمات الخارجية، والأسواق العالمي، وتأثير الأزمات العالمية مثل الحرب في غزة، أسعار الغذاء، الغاز، اضطرابات في سلاسل التوريد، كلها أُثرت على حياة المواطن، فجميعها تأخر أو تحدّ من مدى شعور المواطن بالتحسّن، بالإضافة إلى الفقر والبطالة، فبرغم التحسن النسبي في بعض المؤشرات الكلية، فهناك التحدي الأكبر، وهو تحسين مستويات المعيشة للفقراء والمهمّشين، كما إن خفض نسبة الفقر الوطني وتحسين خدمات التعليم والصحة لا يزال يواجه صعوبات.
ولفت الخبير الاقتصادي، إلى أنه لكي يتحوّل هذا التحسّن في المؤشرات إلى شعور فعلي من المواطنين، فالدولة بحاجة إلى خطة متكاملة تُركّز على عدة مجالات، منها السياسات المالية والنقدية، إي مواصلة خفض الدين العام، مع مراعاة ألا تكون إجراءات خفض الإنفاق على حساب الجودة في خدمات التعليم والرعاية الصحية، والاستمرار في السيطرة على التضخم عبر سياسة نقدية محكمة، ودعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على المستوردات، وتعزيز الإنتاج والتصنيع والتصدير، إي رفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي إلى الهدف المعلن، بما يزيد من فرص العمل ذي المهارات المتوسطة والعليا، وتنمية الصادرات السلعية والخدمية، ودعم صادرات الخدمات مثل السياحة، تكنولوجيا المعلومات، والاستعانة بالمصريين في الخارج لتعزيز التحويلات المالية.
كما أنه يجب الاستثمار في البنية التحتية وتحسين الخدمات الاجتماعية، إي تحديث شبكة الصحة والتعليم، وتحسين جودة المستشفيات والمدارس، مع ضمان وصول ميسر للمواطنين في القرى والمناطق النائية، وتحسين المواصلات العامة، والكهرباء والمياه، وخدمات الإنترنت، لتخفيف العبء على الأسر، ودعم الفئات ضعيفة الدخل، إي توسيع برامج الحماية الاجتماعية: الدعم النقدي، الإعانات الغذائية، دعم السلع الأساسية.
ونوه على أنه يجب على الحكومة، تقديم ضمان في أن رفع في أسعار أو تقليص في الدعم يكون مصحوباً بإجراءات تعويضيّة للفئات الأكثر تضرّراً، بالإضافة إلى تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الخاص، وتسهيل تراخيص الشركات، والحد من البيروقراطية، تعزيز شفافية القانون الضريبي، حماية المستثمرين، وتحفيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، والاستفادة من التمويل الدولي والتعاقدات الاستثماراتية بالطاقة المتجددة، البنية التحتية، التقنية، للارتقاء بقدرات الاقتصاد.
وأختتم الخبير كلامه قائلًا:"الحديث عن تحسن في المؤشرات الاقتصادية في مصر ليس مبالغاً فيه إذا نظرنا إلى الأرقام: نمو الناتج المحلي، انخفاض ملحوظ في التضخم، زيادة الاحتياطيات الأجنبية، وتحسن موارد الدولار، لكن لكي يشعر المواطن بهذا التحسن، يحتاج إلى أن يكون هذا التحسن شاملاً وموزعاً، وليس محصوراً في مؤشرات كلية فقط، والدولة، عبر سياساتها المالية والنقدية، وبرامج الدعم الاجتماعي، وتحفيز الاستثمارات والإنتاج، هي التي تستطيع أن تُحوّل الإنجازات الجزئية إلى واقع ملموس في معيشة الناس، والمطلوب هو الاستمرارية، الشفافية، والمراقبة الشعبية لمدى تحقيق الأهداف، فكلما قرّبت السياسات من حياة المواطن اليومية، كلما أصبح هذا التحسن محسوساً وليس مجرد بيانات على ورق.

ومن ناحية آخرى، أوضح الدكتور محمد أنيس الخبير الاقتصادى، أنه بالطبع حدث تحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية التي تخص المالية العامة للدولة فقط، كمثال إن نسبة الديون أقل حاليًا من نسبتها قبل صفقة رأس الحكمة، بسبب نسبة التدفقات التي دخلت، كما حدث انخفاض في معدلات ومؤشرات التضخم، بالإضافة إلى استقرار في سعر الصرف بعدما كانت هناك سوق سوداء، فأصبح هناك سعر أساسي رسمي، بالإضافة إلى cds إي أن نسبة الفائدة على القروض التي تقترضها مصر، انخفضت بشكل كبير، وذلك بسبب الموثقية في السندات الحكومية التي تصدرها مصر أكثر من قبل صفقة رأس الحكمة، فجميعها مؤشرات مرتبطة بالمالية العامة وتحسنها، كما ان معدل الفائدة على الجنيه المصري انخفض من 28% إلى 23% إي حدث تخفيض 5.25%، كما أن معدل النمو ارتفع من 3% إلى 4.5%، وبالتالي هناك تحسن ولكن ليس بوجه عام.
ولفت"أنيس"، إلى أن حجم المردود من تحسن المؤشرات العامة على المواطن والمجتمع، يظهر أن نسبة دخل المواطن المصري من إجمالي الدخل القومي ثابت، لا يوجد تحسن يذكر، كما إن نسبة الطبقة المتوسطة في المجتمع انخفضت بالإضافة إلى أن إحصائية نسبة الدخل والإنفاق للمجتمع محجوبة منذ حوالي خمس أعوام، إي أن آخر إحصائية كانت في 2020 ، والتي أظهرت حينها أعلى نسبة فقر في تاريخ مصر حوالي35%، ولكن الآن ارتفعت أكثر وأكثر، فتلك هي المعدلات الحقيقية لنرى نسبة تحسن المؤشرات الاقتصادية.
ونوه على أنه يجب على الدولة أن تقوم بعدة خطوات، لرفع نسبة المؤشرات الاقتصادية، وبالتالي نرى مردودها على حياة المواطن المصري، منها الانتقال من التفكير في النمو إلى التفكير في التنمية، بمعنى أن النمو الاقتصادي هو المؤشرات الكلية، أما عن التنمية الاقتصادية يجب أن نرى حجم الإنفاق على الصحة والتعليم، وجودة التعليم التي تقدم للطلاب وتأثيره على الإنتاجية، إي الاستثمار في تحسين التعليم المفدى إلى الإنتاجية، سواء كان داخل مصر أو خارج مصر، بالإضافة إلى الانتقال من الاستثمارات العامة والتي تأتي بالديون وتكون استثمارات حكومية معظمها في البنية التحتية وتنتقل إلى الاستمارات الخاصة والاعتماد على القطاع الخاص بدلًا من الإستدانة، وحينها ستلبي متطلبات التوسع في الاستثمارات الخاصة، ونطور البيروقراطية والإنفاق على التعليم لرفع مستويات الإنتاجية والاستثمار في الصحة للحفاظ على القدرة على الإنتاجـ، وبالتالي يظهر تحسن في مؤشرات الاقتصادية وحياة المواطن المصري.
