في حواره لـ"الوفد"..
رئيس فريق التوثيق بالليزر يكشف لأول مرة كواليس نقل تابوت وترميم مقاصير "الملك الذهبي"
 
 
المتحف المصري الكبير، دُرة متاحف العالم، والأكبر والأهم على مر التاريخ، الحدث الحضاري والثقافي الذي شهدته شعوب الأرض كافة بحضور قادة وملوك الدول، لتؤكد مصر من خلاله أن هنا أرض ومهد الحضارات، مصر نبع السلام ومنارة العلم والتاريخ والثقافة.
وبالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير، أجرت "الوفد" حوارًا مع الدكتور نور بدر رئيس فريق التوثيق بالليزر لمركب خوفو الثانية ومشروع نقل مقاصير الملك توت عنخ آمون، كشف خلاله كواليس وأسرار العمل على مجموعة "الفرعون الذهبي"، ومراكب خوفو، والتحديات التي قابلها فريق الترميم طوال سنوات للوصول إلى تلك العظمة التي تؤكد امتداد العلم والفن والإبداع والإتقان من الأجداد إلى الأحفاد.
وإليكم نص الحوار:-
حدثنا عن كواليس نقل تابوت "توت عنخ آمون" من الأقصر إلى المتحف المصري الكبير وكيف تم التعامل مع حالته.
كان نقل تابوت "الملك توت عنخ آمون" من مقبرته في وادي الملوك بالأقصر إلى المتحف الكبير عام 2019 حدثًا تاريخيًا بكل المقاييس، إذ كانت تلك المرة الأولى التي يغادر فيها التابوت مقبرته منذ اكتشافها عام 1922 على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر.
وجاء التوجيه بنقله من وزير الآثار الأسبق د. خالد العناني، عندما أُعلن عن خطة شاملة لنقل التابوت الملكي من مقبرته في البر الغربي بالأقصر إلى معامل الترميم بالمتحف المصري الكبير، نظرًا لسوء حالته من الحفظ، ولإجراء أعمال الترميم الكاملة تمهيدًا لعرضه ضمن مجموعة الملك الذهبي بالمتحف.
وتم إعداد خطة عمل دقيقة تحدد خطوات الفحص، والتدعيم المبدئي، والتعبئة والنقل، مع مراعاة الجوانب الأمنية والعلمية في آنٍ واحد.
وشملت الخطة استخدام مواد تغليف خالية من الحموضة، وأنظمة تحكم في درجة الحرارة والرطوبة داخل صندوق النقل، إلى جانب وسائل امتصاص الاهتزازات أثناء التحريك والنقل الجوي.
وتمت المهمة تحت إشراف لجنة علمية وفنية مكونة من نخبة من المتخصصين في المتحف المصري الكبير، حيث استغرقت عملية النقل 3 أيام عمل متواصلة، جرى خلالها تنفيذ أعمال الترميم الأولية داخل المقبرة، وذلك نظرًا لحالة الحفظ السيئة للتابوت بسبب التشققات وفقدان أجزاء من الطبقة الجصية والمذهبة.
وتم استخدام مواد تثبيت مبدئية متوافقة مع مكونات الأثر، وخامات تغليف ذات جودة عالية، لضمان عزل التابوت عن العوامل البيئية الخارجية أثناء النقل.
صُنع صندوق نقل خاص مبطن بمواد ماصة للاهتزازات، ومزود بأجهزة استشعار رقمية لمراقبة درجات الحرارة والرطوبة طوال الرحلة، حيث تمت عملية النقل بأعلى مستويات الأمان العلمي واللوجستي، حتى وصول التابوت إلى معامل الترميم بالمتحف المصري الكبير، حيث خضع بعدها لعمليات ترميم شاملة استعدادًا لعرضه ضمن مجموعة الملك الذهبي في قاعة العرض الدائمة.

ماذا عن مشروع توثيق وترميم ونقل مقاصير الملك "توت عنخ آمون" من متحف التحرير إلى المتحف الكبير؟
يُعد ذلك المشروع أحد أكبر وأعقد المشروعات التي نُفذت ضمن خطة نقل مجموعة الملك الذهبي إلى المتحف المصري الكبير، فقد شكلت المقاصير تحديًا استثنائيًا من حيث حجمها الضخم، وتعقيد تركيبها البنائي، وحالتها من الحفظ غير المستقرة.
منذ بداية المشروع، واجه الفريق المصري تحديات فنية وعلمية ولوجستية كبيرة، فقد تم استدعاء عدد من اللجان العلمية الدولية من جهات أجنبية متخصصة لتقييم حالة المقاصير، وأوصت تلك اللجان بعدم نقلها نهائيًا إلى المتحف الكبير بسبب هشاشتها وخطورة تحريكها في تلك الحالة.
ولكن كان القرار وقتها هو أنه لن نترك المقاصير في حالتها المتدهورة، وسيتم إنقاذها وترميمها ونقلها الي المتحف المصري الكبير بأيادٍ مصرية خالصة، وتم تشكيل لجنة وطنية موسعة من نخبة المتخصصين في الترميم، والفحص العلمي، والتوثيق العلمي، لوضع خطة شاملة للتعامل مع المقاصير.
وشملت الخطة ثلاث مراحل رئيسية، وهي:-
- التوثيق العلمي الكامل قبل أي تدخل، باستخدام التصوير الفوتوغرافي عالي الدقة، والمسح ثلاثي الأبعاد، والرسم الهندسي الدقيق.
- الفحص والتحليل العلمي باستخدام أجهزة الأشعة السينية (X-Ray) ووسائل التصوير غير التدميرية لفهم التركيب الداخلي والميكانيكي للمقاصير، وتحديد نقاط الضعف.
- وضع خطة فك آمنة تعتمد على تحليل مناطق الاتصال، وأنواع المواد اللاصقة، ونقاط التحميل، لضمان فصل الأجزاء دون أي فقد مادي أو تلف في طبقات المذهبة.
وقبل البدء في عملية الفك، نُفذت أعمال ترميم دقيقة وشاملة داخل قاعات المتحف المصري بالتحرير، تم تثبيت الطبقات المذهبة، ومعالجة مناطق التلف في طبقات الجص، فقد استخدمنا مواد تثبيت عضوية متوافقة مع طبيعة الخشب والذهب، لضمان الاستقرار البنيوي للمقصورة أثناء الفك.
وتم فصل المقاصير على مراحل باستخدام وسائل دعم هندسية متخصصة، وتغليف كل جزء بخامات خالية من الأحماض مع طبقات حماية متعددة من الفوم التقني والمواد العازلة للاهتزاز، ونقل الأجزاء باستخدام أنظمة رفع ميكانيكية دقيقة وتحت إشراف فريق الترميم والآثار بشكل مباشر.
واستمرت هذه العملية 4 سنوات كاملة من العمل المتواصل حتى تم نقل المقاصير الأربع إلى المتحف المصري الكبير بأمان.
واليوم تقف مقاصير الملك "توت عنخ آمون" في قاعة العرض الملكي بالمتحف المصري الكبير شاهدة على قدرة المرمم المصري على مواجهة المستحيل.
وقد أثار نجاح المشروع دهشة وإعجاب الخبراء والجهات الأجنبية التي كانت قد حذرت من نقلها، مؤكدين أن ما تحقق يُعد إنجازًا علميًا وهندسيًا فريدًا يليق بعظمة الملك الذهبي وبكفاءة أبناء مصر في صون تراثهم.

ما هي أصعب قطعة أثرية تم التعامل معها وترميمها في مقتنيات الملك توت عنخ آمون؟
كانت هناك قطعتان تُعدّان من أعقد وأصعب التحديات التي واجهها فريق الترميم والنقل خلال مشروع تجهيز المجموعة الملكية للعرض، وهما:-
التابوت الذهبي الكبير الذي يعد من أكثر القطع تعقيدًا وخطورة في التعامل من حيث الحالة الحفظية والخصائص المادية، فقد كان التابوت في حالة ضعف شديدة كما تحدثنا نتيجة تأثيرات الرطوبة والتقلبات الحرارية داخل المقبرة على مدار نحو قرن من الزمان.
وأيضًا المقصورة الذهبية الأولى، التي يصل حجمها لحجم غرفة ذات أبعاد 16 متر بارتفاع 3 متر، فهي تُعتبر من أعقد القطع من حيث التركيب البنائي والمكونات المادية، لأنها تتكون من أخشاب مذهبة مطعمة بعناصر فيانس أزرق، ويغطي سقفها الداخلي طبقة من الراتنج الأسود، ما جعلها قطعة متعددة الطبقات ومتشابكة المواد وهو ما يصعب أي عملية ترميم أو نقل.
وكانت المقصورة في حالة حفظ ضعيفة جدًا، حيث ظهرت عليها مظاهر تفتت في الجص المذهب، وتشققات ناتجة عن الإجهاد الميكانيكي، مما جعل عملية التعامل معها من أخطر المراحل في المشروع.
حدثنا عن أهم مقتنيات الملك توت عنخ آمون التي ستكون مفاجأة للزوار وعشاق الآثار المصرية القديمة.
كان يعرض حوالي 1800 قطعة للملك توت بالمتحف المصري في التحرير، ولأول مرة سيتم عرض المجموعة بالكامل البالغ عددها أكثر من 5300 قطعة بالمتحف المصري الكبير، ومن أهم المقتنيات "القناع الذهبي" الذي سيعرض داخل سياق سيبهر الزوار، بجانب العجلات الحربية وتماثيل الأوشابتي وكذلك نسيج الملك.
حدثنا عن متحف مراكب خوفو المقام داخل المتحف الكبير والقطع المقرر عرضها به.
يُعد متحف مراكب الملك خوفو واحدًا من أبرز المشروعات الهندسية والأثرية في القرن الـ21، وكان قرار نقل مركب الملك خوفو الأولى من موقعها القديم بجوار الهرم الأكبر إلى مقرها الجديد بالمتحف الكبير، بسبب أن موقع المركب القديم كان يحجب جزءًا كبيرًا من الضلع الجنوبي للهرم الأكبر، وأيضًا لأن ظروف العرض السابقة لم تكن تتيح إظهار القيمة الفنية والدينية والمكانة التاريخية للمركب.
وكان نقل المركب تحدي صعب، نظرًا لضخامة حجمها حيث يبلغ طولها 43 مترًا، ووزنها أكثر من 20 طنًا، فضلًا عن هشاشة أجزائها الخشبية القديمة التي تعود إلى أكثر من 4600 عام.
إلا أن اللواء عاطف مفتاح والدكتور عيسى زيدان مدير عام الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير، وبمشاركة فريق العمل المصري بالكامل، قرروا خوض التحدي وتنفيذ عملية النقل كقطعة واحدة كاملة في سابقة هندسية وأثرية فريدة من نوعها.
وتقرر إنشاء قاعة عرض مخصصة داخل المتحف المصري الكبير، لتُعرض فيها المركب الأولى بجوار المركب الثانية التي تخضع حاليًا للترميم داخل معامل المتحف، وذلك بسبب حساسية المادة الأثرية وتعقيد تركيبها، فالخشب الأثري بعد آلاف السنين يصبح مادة بالغة الحساسية تجاه الضوء والرطوبة والاهتزازات لذلك كان من المستحيل عرض مركب خوفو في قاعات عرض غير متحكم فيها مثل المبني القديم، فهي تحتاج إلى بيئة متحكم فيها تمامًا من حيث الحرارة، الرطوبة، والتهوية، وهو ما استدعي إنشاء متحف مستقل مزود بأحدث أنظمة الحفظ.

حدثنا عن تفاصيل أعمال الترميم والتوثيق لمركب خوفو الثانية.. ومتى سيتم عرضها كاملة أمام الزوار؟
مشروع ترميم وتجميع وتوثيق مركب خوفو الثانية هو مشروع مصري ياباني، بدأ رسميًا في عام 2011، بدأ رسميًا المشروع المصري الياباني لاستخراج وترميم مركب خوفو الثانية، بمشاركة فريق مشترك من المرممين المصريين وخبراء جامعة هيجاشينيبون اليابانية تحت إشراف مباشر من الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الترميم بالمتحف المصري الكبير.
وكان لي الشرف بالعمل في المشروع كمرمم للأخشاب الضعيفة والمتفحمة منذ عام 2014، ثم مسؤولًا عن توثيق القطع باستخدام جهاز الليزر لعمل شكل تخيلي لها واستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد لعمل دعامات لعرض القطع الهشة.
وسيتم عرضها بجوار المركب الأولي داخل متحف مراكب خوفو في أقرب وقت، ومن المتوقع أن يستكمل العمل على ترميم مركب خوفو الثانية أمام زوار المتحف الكبير وهو أمر استثنائي.
قمت بالعمل على ترميم مركب "أبو رواش" وهي الأقدم في التاريخ قبل نقلها إلى متحف السويس.. حدثنا عن كواليس ترميمها داخل معامل المتحف الكبير وكيف كانت حالتها؟
بالفعل، ترميم مركب "أبو رواش" هو أحد المشروعات الأثرية المميزة التي نفذها فريق الترميم بالمتحف المصري الكبير، لما تمثله هذه القطعة من قيمة تاريخية فريدة، إذ تعود إلى عصر الملك "دن" من الأسرة الأولى بنحو 2950 ق.م، أي قبل مراكب خوفو بأكثر من 500 عام، مما يجعلها أقدم مركب ملكي خشبي معروف في التاريخ.
وتم اكتشاف بقايا المركب في منطقة "أبو رواش" شمال الجيزة، بالقرب من الهرم المنسوب للملك "دن"، حيث عُثر على أجزاء خشبية متناثرة ومدفونة في الرمال في حالة بالغة الهشاشة.
وكانت الأخشاب الأصلية، المصنوعة من خشب السنط المحلي، قد تعرضت للتفكك، والتحلل الميكروبي، وفقدان كبير في تماسك أليافها نتيجة التعرض الطويل للرطوبة وتغير درجات الحرارة.
وعند فحص القطع في موقع الكشف، تبين أن كثيرًا منها تحول إلى طبقات ليفية رقيقة قابلة للتفتت باللمس، وهو ما استدعى اتخاذ قرار عاجل بنقلها إلى معامل الترميم بالمتحف المصري الكبير لتثبيتها وحمايتها قبل الشروع في أي أعمال تركيب أو دراسة تفصيلية.
وبعد أشهر من العمل الدقيق داخل المعامل، تم استقرار حالة الأخشاب وإعادة هيكلتها جزئيًا بما يسمح بعرضها في بيئة آمنة.
ونُقلت القطع بعد الترميم إلى متحف السويس القومي، حيث تعرض اليوم كأحد أهم إنجازات مشروع الترميم المصري الحديث، مع شرح مرئي يوضح عملية الإنقاذ التي تمت داخل معامل المتحف المصري الكبير.
وقد حصل مشروع الترميم المشترك مع المعهد الفرنسي للآثار الشرقية علي جائزة المجلس القومي للمتاحف كأفضل مشروع ترميم في مصر عن عام 2017.

شاركت أيضًا في أعمال "توابيت العساسيف" التي تم اكتشافها بالأقصر عام 2019.. حدثنا عن كواليس العمل عليها ومتى سنراها في سيناريو العرض بالمتحف الكبير؟
صحيح، بعد الإعلان عن خبيئة "توابيت العساسيف"، التي ضمت 30 تابوتًا خشبيًا ملونًا من عصر الأسرتين العشرين والواحدة والعشرين، وهو يعد أكبر اكتشاف أثري في الأقصر منذ أكثر من قرن.
شاركت ضمن فريق عمل كبير من المتحف المصري الكبير تجاوز 30 مرمم وأثري، للقيام بأعمال الترميم الأولي والتوثيق والنقل إلي المتحف المصري الكبير طبقا لأحدث الطرق في نقل الأثار تمهيدًا لعرضها داخل أروقة المتحف المصري الكبير.
وكانت جميعها في حالة حفظ مدهشة داخل أحد آبار الدفن بالبر الغربي بالأقصر، بمنطقة العساسيف القريبة من معبد الدير البحري.
ومن المتوقع أن تُعرض المجموعة ضمن سيناريوهات عرض مؤقتة، بجانب مجموعات أخرى سيتم الإعلان عنها، وذلك لإتاحة الفرصة لعرض آلاف القطع الأثرية الموجودة في المخازن، لإحداث تجديد من وقت لآخر في سيناريوهات العرض المتحفي.
- افتتاح المتحف المصري الكبير
- المتحف المصري الكبير
- سعر المتحف المصري الكبير
- تذكرة المتحف المصري الكبير
- سعر تذكرة المتحف المصري الكبير
- المتحف المصري
- اخبار المتحف المصري
- موعد افتتاح المتحف المصري الكبير
- تفاصيل افتتاح المتحف المصري الكبير
- احتفالية المتحف المصري الكبير
- إجازة المتحف المصري الكبير
- توت عنخ آمون
- قاعة توت عنخ آمون
 
                    
          
                