أوراق مسافرة
لا عجب أن أبدأ كلامى بعبارة «شكرا مصر شعبا وقيادة»، شكرا لحضورك وريادتك القوية وعافيتك السياسية فى كل المراحل التى مرت بها غزة لتقدمى كل ما تستطيعى وأكثر، شكرا دعوتك لقمم عربية عاجلة والأن قمة دولية فى شرم الشيخ نتمنى لها تنفيذ ما اجتمعت لأجله لمصلحة فلسطين، شكرا لكل موقف واضح ضد جرائم الإحتلال، لإرسال معونات إنسانية رسمية وشعبية ولإستقبال الجرحى وفوق كل هذا إحباط مخطط تهجير الغزاويين برفض إيجاد أى بديل أخر لأراضيهم والتصدى لهذا بكل قوة دون الإكتراث لمزايدات دولية هنا أو هناك، شكرا لجهودك الحالية لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات من أجل وقف الإبادة التى نفذتها إسرائيل فى حرب غير متكافئة القوى ولا التسليح، فقد حققت يا مصر المستحيل، تمكنت حاليا بجهود مشتركة مع تركيا وقطر من دفع إسرائيل ومن خلفها أمريكا إلى عقد إتفاق وقف الحرب وتبادل الأسرى والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وهو إتفاق يتضمن عدة مراحل ستتضح معالمه على التوالى على أرض الواقع.
والأن بعد عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية تسأل الشعوب العربية من المنتصر ومن المهزوم بعد إتمام هذا الإتفاق؟ وأجيب بأنه لا جدال أن الصمود الغزاوى هو المنتصر رغم كل شيء حتى وإن كانت الصورة العامة الأن بعد سقوط ٧٠ ألف شهيد ليست وردية تماما، لست من دعاة التشاؤم خاصة فى مثل هذا التوقيت الذى يحاول فيه الغزاويون استنشاق بعض الأنفاس، هى ليست أنفاس راحة ولا إحتفال، بل التقاط أنفاس لدفن شهداءهم، حصر الأحياء منهم، وقد فنيت عوائل بأكملها، حصر خسائرهم فى بيوتهم وممتلكاتهم وهى لا تحصى، لكن إنتصارهم فى أن أرضهم لم تسلب منهم وسيأتى الإعمار ولو بعد حين، إسرائيل المارقة دوليا تدرك أن الشعب الغزاوى انتصر رغم كل نزيف الدماء، فهل ستلتزم بهذا الإتفاق الذى يحبط طموحها فى غزة، خاصة وأن ورقة التوت الأخيرة قد سقطت عنها أمام العالم، فلم تعد تأبه بالرأى العالمى ولا بعزلتها الدولية ولا بصورتها الكريهة التى تكرست ككيان لا يعترف بإنسانية ولا بحقوق إنسان ولا يحترم مواثيق أو عهود دولية، هل ستلتزم إسرائيل بالإتفاق وهى التى خرجت من حرب ضد شعب أعزل ومقاومة هزيلة التسليح بخسائر هائلة سأعرض لها لاحقا، وهل لن يحاول نتنياهو غسل ماء وجهه أمام شعبه بخرق الإتفاقية وإثبات المزيد من جبروته وإحراج الدول التى سعت للإتفاقية؟، والضرب بعرض الحائط بكل الجهود الدولية لتهدئة الأوضاع؟.
ومع هذا الإتفاق أيضا يثور سؤال أخر، هل الإتفاق سيقود فعليا إلى عزل حماس تماما وإزالة نفوذها عن غزة وإنهاء صداع اسرائيل من الحركة وعملياتها المسلحة، وحماس هى شوكة المقاومة المغروسة فى عين إسرائيل؟، وهل سيكون هذا إيجابى تماما لشعب فلسطين وللمقاومة الشعبية التى هى دوما الرهان للتحرر من أى مستعمر وفقا لكل قراءات التاريخ، هل سيمهد هذا لسلام حقيقى متكافيء فى ندية؟.
سأحاول أن أجيب على هذه الأسئلة ولست قارئة للطالع، فيما يتعلق بإسرائيل وقد قرأت دوما مواقف هذا الكيان من أى عهود ومواثيق سابقة، ورصدت تبجحها وغطرستها، لذا أشك فى أنها ستلتزم بالإتفاق للنهاية طالما نتنياهو باق على رأس الحكومة، وفيما يتعلق بحماس لا أتصور أنها ستنسحب بالفعل تماما من الصورة السياسية والعسكرية وتسلم سلاحها، وألا تحاول استعادة ما فقدته قبل عامين من مكانة ونفوذ، فقد فقدت عددا كبيرا من قياداتها وأسلحتها بل وفقدت بعض شعبيتها لدى الفلسطينيين الذين حملوها أوزار عملية ٧ أكتوبر -رغم أهميتها- ففى التصور الشعبى أن حماس عندما نفذت هذه العملية لم تضع سيناريوهات مدروسة بشكل جيد لنتائج العملية، وأى كان السيناريو الذى تصورته حماس حول ردة فعل إسرائيل، فقد حدث على أرض الواقع ما هو الأسوأ والذى لم يتصوره أحد، لا ننكر فى هذا أن حماس هى رأس حربة المقاومة الفلسطينية المسلحة سواء اختلفنا معها أو إتفقنا، وكان عليها رهانات شعبية مؤملة فى إزاحة الإحتلال أو زحزحته ووقف التوسع الإستيطانى، وإجبارها على الإعتراف بدولة فلسطينية، ومن هنا كانت حماس تهدف بعملية ٧ أكتوبر تحريك القضية الفلسطينية لتتصدر الأجندة العالمية بعد أن غطت قضايا أخرى دولية عليها وأزاحتها من الصدارة، وأن تتسبب هذه العملية فى أظهار إسرائيل بفقدان السيطرة الأمنية على الأرض المحتلة ومن ثم دفعها دفعا إلى التنازل عما استولت من الأراضى والحقوق الفلسطينية، ولكن ما حدث أن حماس راهنت على أحصنة خاسرة من دعم إيرانى ومن حزب الله وفصائل حلفائها فى سوريا وإمدادها بشكل قوى ومتواصلة بالأفراد والسلاح، فلم تحسب حماس الحسبة بشكل جيد، ففى تصور التكتيك عسكرى، من يبدأ الضربة لا يجب أن يتوقف بل يعقبها بسلاسل متتالية من الضربات دون توقف مما يفقد العدو توازنه وسيطرته على الموقف ويشتت جهوده فى الدفاع، لذا كان من المتصور أن تعد حماس بقوة وحنكة لهذه الضربات، وألا تكون وحدها فى مواجهة إسرائيل بل معها كل الحلفاء الذين تثق بهم وفى قوتهم وفى عدم خذلانهم مهما كان الموقف، غير أن ما حدث غير ذلك، تمت عملية ٧ أكتوبر، ولم يعقبها شيء يذكر من الضربات الجمعية القوية، بل كانت عمليات فردية ومتفرقة، فيما بدأت اسرائيل ترد فى حرب إبادة لا هوادة بها مدعومة من أمريكا ومعظم دول أوروبا، المحزن أن حماس لم يكن لديها أى خطة لاستكمال ما بدأته بنفس القوة، لا أقلل من شجاعة وفدائية ما حدث ولكنى أرصد المعطيات والنتائج كدرس للتاريخ، ومن التاريخ أيضا ما يؤكد أن نجاح المقاومة الشعبية يتم بتكاتف كل فئات الشعب وعدم تفتت قيادة الشعب، فكان من المأمول أن يتم القفز فوق كل الخلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية وأن تحدث ملحمة مقاومة واحدة ومتواصلة فى كل الأراضى الفلسطينية ولا يتم ترك غزة ولا حماس وحدهم فى مواجهة الآليات العسكرية الأمريكية الضخمة.. وللحديث بقية.
[email protected]