مراجعات
لكل يومٍ عالمي ـ من الأيام التي حدَّدتها الأمم المتحدة، كمناسبات دولية للاحتفاء بها ـ حكاية تُروى.. بعضها يكون مثيرًا للاهتمام، وكثير منها يمر مرور الكرام، سواء أكان لغرابته، أو أنه يُثير الشَّفَقَة.. أو حتى السخرية!
في السابع عشر من أكتوبر كل عام، يحتفي العالم باليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي يرجع تاريخ الاحتفال به للعام 1987، حين اجتمع أكثر من مائة ألف شخص، في ساحة تروكاديرو بباريس، لتكريم ضحايا الفقر المدقع والجوع.. حتى اعتُمد رسميًا في يناير 1992.
ورغم مرور عقود طويلة على الاحتفاء رسميًّا بتلك المناسبة، إلا أن الجوع لا يزال يطرق أبواب الملايين كل صباح، والفقر ينهش كرامتهم قبل أجسادهم، لنشاهد وجوهًا منسيَّة، وأيادي ممدودة، لا للسؤال، بل للنجاة!
الآن، لم يعد الفقر مجرد رقم في تقرير، ولا حالة اجتماعية قابلة للبحث، بل وجع إنساني صامت، يسكن العيون، ويختبئ خلف ابتسامات مُتعَبة ومنهَكَة، حتى بات الاحتفال بهذا اليوم، مشابهًا لغيره من الأيام العالمية «المهمة»، التي تُذَكِّر العالم البائس بأيام «القضاء على ناسور الولادة» و«المرحاض».. وغيرها!
في يوم القضاء على الفقر، لا نُحيي ذكرى، بقدر ما نوقظ ضمائر، ونستحضر مسؤولية إنسانية، تجاه من حُرموا أبسط حقوق العَيْش الكريم، حتى لا يكون مجرد احتفال شكلي، وشعارات برَّاقة ليس لها وجود على أرض الواقع، فيما تشير عقارب «ساعة الفقر العالمي» إلى وجود مئات ملايين الفقراء حول العالم!!
ورغم أننا نعيش عصرًا غير مسبوق في التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي، وتنوع الثروات والموارد المالية، إلا أن ما يشهده العالم الآن، وصمة عارٍ أخلاقية على جبين الإنسانية، حيث تشير معظم الإحصائيات الدولية إلى تزايد نسبة الفقر والجوع، التي بدورها انعكست على معدلات التضخم والبطالة وانتشار الأوبئة والأمراض!
وبما أنه لا توجد وَصْفة سحرية أو مثالية جاهزة، للخروج من دائرة الفاقة والعَوَز، لكن بعض السياسيين والخبراء الاقتصاديين، يرون أن أفضل طريقة «سهلة» و«بسيطة» للقضاء على الفقر، هي التخلص من الفقراء!!
نظريةٌ مفادها أنه يجب تقليص الفقر، بـ«تعقيم وإخصاء» الفقراء، لمنع ولادة الأطفال «ذوي المواهب الطبيعية الناقصة»، لأنهم ـ بحسب رؤيتهم ـ سيعيشون في أسر محرومة، ويفشلون في تطوير ذواتهم ومهاراتهم!
وهناك نظرية تسمى «حكم الجدارة»، مفادها أن الفقراء لا يمتلكون جدارة أن يصبحوا أغنياء، بل يستحقون الفقر بجدارة، في مقابل نظريات اقتصادية أخرى، ترى أن مثل هذا الفكر يُحمّل مسؤولية الفقر للفقراء أنفسهم، بينما الواقع ـ بحسب «جون ستيورات» ـ أن «الأغنياء يقمعون ويستغلون الفقراء».
أخيرًا.. ثمة نظريات تُحَمِّل الأنظمة والحكومات المسؤولية عن التزايد الرهيب في معدلات الفقر والجوع، وأخرى تُحَمِّلها للأغنياء وحدهم، أو تضع اللَّوْم على الجغرافيا والمجتمعات البائسة!
فصل الخطاب:
يقول الاقتصادي الفرنسي «روبير تيرجو»: «إذا لم نُحارب الفقر والجهل، فسنضطر يومًا ما لمحاربة الفقراء والجهلة».