رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

دموع وامتنان الفلسطينيين لمصر: شكرًا لمن أطفأ النار

غزة تتنفس.. «الوفد» تكتب من قلب الدمار شهادة الحياة 

فرحة أهل غزة بإعلان
فرحة أهل غزة بإعلان وقف إطلاق النار

سائد أبو محسن: "مصر كانت وما زالت الدرع الحامي لفلسطين"

محمد أبو وطفة: "شرم الشيخ كانت بشارة أمل لغزة.. والرئيس السيسي لم يتركنا أبدًا"

خالد خليل: "نسينا شعور الأمان من كثرة الخوف والفقد والجوع"

سعيد أبو العيش: "دفنّا أحلامنا مع أحبّتنا.. وما زلنا نحلم بالحياة"

مريم حسام: "وقف إطلاق النار عيد لنجاة الأرواح لا لانتهاء الحرب"

صافيناز اللوح: "نتمنى نكبر ونهلل عند خروج آخر جندي إسرائيلي"

قمر عبدالرحمن: "سأزرع وردة عند باب البيت لتشهد أن الحياة أقوى من الحرب"

بعد عامين من الدم والرماد، أشرقت على غزة شمس لم تجرؤ على البزوغ طيلة الحرب.

أخيرًا.. هدأت السماء التي أمطرت نارًا، وصمتت المدافع التي التهمت البيوت والأرواح، وها هي غزة تمسح دموعها بيدٍ مرتجفة وتهمس: "هل انتهى الكابوس؟"

سلامٌ طال انتظاره جاء متعبًا، كأنه تنفس أخير بعد اختناقٍ طويل على مدار عامين من النزوح والجوع والوجع الذي شقّ القلوب قبل البيوت.

سلامٌ اختبره الناس بخوفٍ وارتباك بين فرحة البقاء ووجع الفقد، كأنهم يسيرون فوق رمادٍ ساخن، يتلمّسون وجوه أحبّتهم، ويتأكدون من أن الموت حقًا توقف عند هذا الحد.

فالوجوه التي اعتادت الدخان والظلام، تستقبل اليوم ضوءًا جديدًا يشبه ابتسامة طفلٍ نجا من الغارة نسجته "مصر" بخيوط وساطتها.

كان لشرم الشيخ وقع خاص في القلوب؛ إذ سمع الغزيون عن الاجتماع فانبثق فيهم أملٌ قديم بأن "مصر ستفعلها"، وحقًا فعلتها، فحملت إليهم بشرى السكينة بعد الإعصار.

"الوفد" تواصلت مع أبناء غزة من مختلف الفئات؛ محامين، صحفيين، أمهات وشباب، استمعت لنبض قلوبهم بعد إعلان وقف إطلاق النار، فنطقت كلماتهم بصدقٍ لا يكتب، وامتلأت حكاياتهم بالدمع والحنين والشكر، لتكتب غزة من جديد حكاية سلامٍ خرج من رحم النار.

شتاء الخيام

وصف الشاب الفلسطيني سائد أبو محسن لـ"الوفد" اللحظات الأولى لإعلان وقف إطلاق النار بقطاع غزة حيث قال: "شعرنا بفرحة عارمة لانتهاء الحرب والدمار ووقف شلال الدم، استقبلت الخبر بركعتين شكر لله، مواصي خان يونس كلها تكبير وتهليل وحمد لله.. الناس صاحية مبسوطة جدا وفرحانة جدًا وكأنه يوم عيد".

سائد أبو محسن 
سائد أبو محسن 

واستطرد قائلًا: "ولكن تلك الفرحة لم تُخفِ وجع الفقد، فقلوبنا موجوعة على فراق الأحبة ومشاهد الخراب.. الذكرى التي لا تمحى من ذاكرتي هي خبر استشهاد صديقي الصحفي هشام النواجحة وكنت في هذا الوقت في مصر في ثالث أيام الحرب ، قم جاء خبر الصاعقة الثاني استشهاد صديقي وأخي الحبيب الصحفي عبدالله عمر شكشك، ومشهد الحزامات النارية وأهوال يوم القيامة في قصف صهيوني بجوار الخيمة".

ثم أردف متنهدًا: "إن شاء الله تكون انتهت آلة الدمار والقتل.. لكن الحرب الحقيقية الآن مع قدوم فصل الشتاء ونحن بدون مأوى وآلام وأوجاع الخيام وبرد الشتاء وغزارة الأمطار.. نسأل الله الفرج العاجل".

وأكمل بصوتٍ يفيض صبرًا: "الصبر بالنسبة لنا ليس مجرد فضيلة نتحلى بها، وإنما آلية للبقاء على قيد الحياة.. فهو الدرع الأخير الذي نحمي به إنسانيتنا وسلامنا الداخلي وعدم السماح لهذه الأحداث بأن تقتل الروح قبل الجسد.. بالصبر أصبحنا نرى كل شيء يُدمّر حولنا، ونتمسك بأصغر الأشياء الباقية: "صورة، ذكرى"، نحن لم نتعلمه، بل ورثناه.. كل جرح، وكل حرب، وكل خيمة، تضاف إلى قاموس صبرنا في غزة".

وتحدث "أبو محسن" بحنين مؤلم إلى أيام الأمن: "نفسي ترجع حياتي زي الأول.. الأمن والأمان في بيتي اللي كان يأويني، ضاع حلم حياتي، بيتي اللي جهزته وما فرحتش بيه، فقدت خيرة أصحابي وأبناء عائلتي وجيراني، وحيي اللي كنت ساكن فيه بقى كومة حجار، اللي باقي حاليًا هو الأمل بالله أولًا ثم بتوفير حياة كريمة".

ووجّه "سائد" رسالة من قلب غزة إلى مصر، قال فيها بامتنان: "لو الدنيا كلها بتسمعني دلوقتي، أحب أقول شكرًا لله أولًا، ثم لجمهورية مصر العربية قيادة وشعبًا فلتبقوا على العهد حتى إعادة إعمار قطاع غزة .. تابعت دور مصر في وقف إطلاق النار.. الموقف العربي الوحيد اللي كان قلبا وقالبا معنا ودافع عن قضيتنا وعروبتنا.. وقف نزيف الدم بفضل جهود الرئيس عبدالفتاح السيسي وجهاز المخابرات العامة بقيادة اللواء حسن محمود رشاد والجندي الخفي اللواء أحمد عبدالخالق.. شكرًا مصر..الدرع الحامي للشعب الفلسطيني، نعلم أن وجعنا هو وجعكم، وأن النيل والبحر المتوسط بيجمعونا برباط الدم والتاريخ والدين والعروبة.؛ فمن غزة المحاصرة، من أرض الصمود والجراح، بنبعث لكم سلامًا ومحبة وتقديرًا".

واختتم "سائد أبو محسن" حديثه قائلًا: "حلمي البسيط كغزاوي نفسي أصحى الصبح على صوت أطفال رايحين مدارسهم مش على صوت الطيارات، نفسي أمشي في شوارع مدينتي وأشوفها عامرة بالحياة، مش الركام.. وضحك في الوجوه. نفسي أمي تكون مطمئنة ما بتخافش من الليل ولا من خبر فقد جديد.. نفسي يكون السفر حق مش حلم، والكهربا تيجي طول اليوم، والمياه ما تنقطعش.. نفسي غزة ترجع تتنفس، والناس تضحك من قلبها من غير وجع.. نفسي العالم يسمعنا مش كأرقام  لكن كأرواح بتحب الحياة رغم كل شيء.. نفسي أزور قبور اللي راحوا وأقولهم: «رجع الأمان يا حبايب».. أتمنى أرجع أضحك من قلبي.. ضحكة ما فيهاش وجع". 

معجزة البقاء

"أنا مش قادر أستوعب ولا أصدق لحد الآن معقول الحرب تخلص؟!".. بهذه الكلمات بدأ المحامي الفلسطيني محمد أبو وطفة حديثه لـ«الوفد»، وهو ما زال يلتقط أنفاسه بعد إعلان وقف إطلاق النار، بين دهشة النجاة ووجع الفقد.

محمد أبو وطفة
محمد أبو وطفة

قال "أبو وطفة": "أول إحساس أجاني بعد إعلان الاتفاق هو الصدمة.. بعد العذاب والجوع والإبادة والتشريد، صعب تصدق إن كل دا ممكن يقف فجأة.. تحملنا فاق كل طاقات البشر، ربنا يزيدنا صبرًا".

استعاد "أبو وطفة" أكثر المشاهد قسوةً قائلًا: "أكثر مشهد ما بقدر أنساه، لما انقصف البيت وإحنا متواجدين فيه.. الخوف كان مرسوم على وجوه الأطفال والنساء، وطلعنا من الموت بمعجزة من رب العالمين".

ورغم لحظات الهدوء، ما زال القلق حاضرًا في قلبه قائلًا: "ممكن الحرب ترجع في أي وقت، الاحتلال معروف بنقض العهود من أيام النبي محمد ﷺ، ونقض الاتفاقات مع غزة قبل هيك، لكن إحنا نوكل أمرنا لله".

وأكمل بوجع أب فقد بيته وأمانه: "اللي ضاع مني كثير.. أولهم عين ابني أنس اللي اتصاب وبيتعالج في مصر، وأشكر مصر حكومة وشعبًا على اهتمامهم بعلاجه.. ضاع بيتنا وضاعت حياتنا، لكن الأمل في الله كبير".

وأضاف شاكرًا: "مصر كان إلها دور كبير؟؟شكرًا للرئيس السيسي، وللحكومة، وللشعب الطيب العظيم. لما سمعنا عن اجتماع شرم الشيخ حسّينا إن الخير جاي، وإن مصر هتقدر تعملها، وفعلًاعلى إيدها تم وقف النار.. ورسالتي للشعب المصري: شكرًا على وقفتكم مع أهل غزة، وعلى رعايتكم لابني المصاب، كان في اهتمام كبير من الأطباء والشعب المصري. شكرًا من القلب، وإن شاء الله أزور مصر وأتعرف عليها أكثر".

عاد أبو وطفة بذاكرته إلى الفقد قائلًا: "فقدت الكثير من الأصدقاء اللي كانوا إخوة وسند، لكن عزائنا إنهم شهداء، وربنا يرحم الجميع.. ونأمل ترجع حياتنا مثل قبل الحرب.. نرجع ننام بدون خوف، ناكل اللي نفسنا فيه، نرجع نضحك بصدق.. نعيش حياة عادية زي باقي البشر، من غير خوف ولا فقر ولا وجع".

ذاكرة النار

بصوتٍ يختلط فيه الشكر بالذهول تحدّث الشاب الفلسطيني خالد خليل، من معسكر جباليا تل الزعتر، لـ"الوفد" عن وقع خبر وقف إطلاق النار على نفسه قائلًا: "مش مصدق إن المأساة خلصت أخيرًا.. الحمد لله، عِشنا في خيام، حر بالنهار وبرد بالليل.. شفنا حياتنا بتتفتت قدامنا، وضلّينا تقول الحمد لله".

 خالد خليل
 خالد خليل

واستعاد تفاصيل يومٍ لن ينساه ما عاش قائلًا: "من سنة ونص طلعت أنا وزوجتي وأولادي وأمي وإخوتي على الحاجز الصهيوني، كانوا بيسجنوا الشباب ويدخلوا النساء بس.. يومها كان يوم صعب جدًا، الحمد لله إنه عدى على خير".

وأضاف: "كل شيء في حياتي تبدّد؛ بيتي راح، شغلي ضاع، صحابي استشهدوا، فقدت كتير من أحبابي، وصديق عمري الوحيد فقدته قبل 11 شهرا، الله يرحمه.. بخاف أتذكره، وبخاف أفقد كمان حد، ما ضل شيء ممكن يرجع زي الأول.. ضاع مني كل شيء حرفيًا، باقي معي ستر الله، والحمد لله إنه اختارنا ليختبرنا ".

وأكمل بإيمانٍ لا ينكسر: "دور مصر كان حقيقي، هي العامل الأساسي بوقف الحرب.. الحمد لله إن ربنا أنعم علينا بمصر".

وفي نهاية حديثه قال بصوتٍ مبحوحٍ بالرجاء: "نفسي أسافر مصر أكمل علاجي، أرجع منيح لزوجتي وأولادي، لكن بصراحة.. مش متخيل يرجع الأمان تاني، أو يمكن نسيت شعور الأمان كيف بيكون".    

صوت الناجين

وقال “سعيد أبو العيش”، أحد الناجين من الحرب، لـ«الوفد»: " فقدت عائلتي وبيتي في شمال غزة، وأرى أن وقف إطلاق النار وإن كان ضروريًا إلا أنه لا يعني النهاية.. الناس من حولي يتحدثون عن “نهاية الحرب”، أما نحن الذين عشناها، فنفهم أن بعض الحروب لا تنتهي بانتهاء القصف، بل تبقى تسكننا من الداخل».

سعيد أبو العيش
سعيد أبو العيش

تحدث “سعيد” بنبرةٍ رجلٍ أنهكته الخسارة لكنه لم يفقد إنسانيته مضيفًا: "الاتفاق خطوة مهمة، لكنه جاء متأخرًا جدًا لقد دفنا أحلامنا مع أحبّتنا، ودفعنا الثمن غاليًا. ومع ذلك، حين دخلت الهدنة حيّز التنفيذ، لم أفكر إلا بشيءٍ واحد: العودة إلى الشمال، لأرى بيتي المدمر.. أريد فقط أن ألمس المكان الذي كان بيتنا، وأقول لمن فقدتهم إنني ما زلت هنا".

واستطرد "أبو العيش": "لكنّ مخاوفي لم تختفِ بعد: أخاف أن يكون هذا الهدوء مؤقتًا، وأن يعود القصف قبل أن نلملم أنفاسنا، أخاف أن يتحول وجعنا إلى مجرد أرقام في تقارير العالم".

وأكمل بصوتٍ اختصر الوجع الفلسطيني كله: "نحن تعبنا، نعم، لكننا ما زلنا نحلم بيومٍ نعيش فيه بلا خوف. هذا ليس مجرد وقفٍ لإطلاق النار؛ إنه اختبار لإنسانيتنا جميعًا".

عيد الحياة

وقالت النازحة الفلسطينية مريم حسام في حديثها لـ"الوفد": "الحمد لله على سلامة شعبنا البطل، إعلان وقف إطلاق النار رغم الجراح والألم هو بالنسبة لنا عيد.. عيد توقّف فيه نزيف الإبادة، ولو إلى حين؟. فرحنا من بين الركام لأننا ما زلنا على قيد الحياة".

وتابعت: "بإذن الله الحرب انتهت، لكننا نحمل آثارها في قلوبنا، عِشنا عامين تحت النار والجوع والعطش وبقينا واقفين، ضاع منا الكثير؛ أخي، أصدقائي، منزلنا، كل شيء، ولم يبقَ سوى الحمد لله.. أكثر مشهد لا يفارق ذاكرتي هو النزوح من رفح.. وجوه الأطفال، تعب الشيوخ، الخوف والدموع.. كنا نحمل ما تبقّى من العمر على أكتافنا ونمشي في صمت".

وأردفت بحرقة: "أقول للعالم إن من خذلنا بالأمس هو نفسه من يحتفل معنا اليوم.. إنه عالم يفيض بالنفاق، إلا من رحم الله من الشرفاء".

وأشادت "مريم" بدور مصر قائلة: "دور مصر كان مشرفًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. أشكر الشعب المصري وشرفاءه الذين ساهموا في إنهاء هذه الإبادة الجماعية. مصر كانت معنا بالقلب والموقف".

واختتمت رسالتها بأمل حزين قائلة: "نعم فقدت أخي، وما زلت أعيش ألم الفقد كل يوم، لكن حلمي بسيط… أن أعود إلى بيتي، أن نعيد إعمار غزة، وأن نعيش الأمان من جديد.. ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، أول ما سأفعله هو أن أتفقد أصدقائي وأهلي في غزة.. لأتأكد أنهم بخير".

دموع الصمود

"نفسي أروح على قبر أمي.. بس ما بعرف إذا الجثة موجودة ولا لأ!".. بهذه الكلمات بدأت الصحفية الفلسطينية صافيناز اللوح حديثها لـ"الوفد" وهي تبكي بحرقة: "المقبرة اللي مدفونة فيها أمي انقصفت بعشرات الصواريخ والقذائف، ودخلت الدبابات على المنطقة وداست على قبور الأموات.. ما بعرف شو صار بجثتها، ولا إذا كانت لسه موجودة أو أخدوها مع الجثث اللي صادرها الجيش".

صافيناز اللوح
صافيناز اللوح

وتابعت بصوت مختنق بالعبرات: "إحنا عشنا أيام مرة، أيام قاسية، أقل مما توصف بأنها أيام عجاف. سنتين من الصبر والتحدي والمثابرة.. إسرائيل وأمريكا جربوا في غزة كل أنواع الصواريخ اللي صنعوها".

وأضافت "اللوح": "الشعور اليوم حلو ومش حلو.. حلو لأن الدم راح يوقف، والمجازر هتخلص، ومش هنعد عداد الشهداء بعد اليوم.. بس في وجع كبير جوايا على كل اللي فقدناهم.. على أمي، وأخويا، وأختي، وعمي، وجيراننا وشبابنا اللي راحوا.. ولكن رغم كل شيء.. راح نفرح. عامين من الصمود والصبر والثبات ما راحوا هدر، إلنا أجر عند الله عز وجل، ولسه الوطن باقي. ونتمنى نشوف اليوم اللي يخرج فيه آخر جندي إسرائيلي من غزة، ونكبر ونهلل كلنا".

واختتمت الصحفية الفلسطينية "صافيناز اللوح" حديثها بتحية مؤثرة إلى القاهرة قائلة: "دور مصر ما حدا يقدر ينكره.. شكرًا لمصر، شكرًا للرئيس عبدالفتاح السيسي، وللشعب المصري العظيم اللي كان معنا قلبًا وقالبًا".

 غزة تتنفس 

أما الكاتبة الفلسطينية قمر عبدالرحمن فأعربت لـ"الوفد" عن سعادتها الغامرة بإعلان انتهاء الحرب حيث قالت واصفة: "كأنّ أحدهم سمح لي بالتنفّس بعد غرقٍ طويل. كنت أقف أمام بيتٍ لم يبقَ منه سوى نصف جدار، والهدوء يهبط على المكان كما يهبط الغبار بعد العاصفة. لم أصدق في البداية.. كنت أخشى حتى من الصمت، كأنه خديعة. لكن شيئًا صغيرًا في داخلي قال لي: ربّما انتهت، وربّما يمكننا أن نحلم بيومٍ عاديٍّ من جديد".

 قمر عبدالرحمن 
 قمر عبدالرحمن 

وسردت مشهدًا لا تستطيع نسيانه قائلة: "صوت طفلٍ كان يبكي وهو يبحث عن أمّه بين الركام. لم أرَ شيئًا أوجع من ذلك المشهد. كان الليل يمرّ وأنا أسمع صوته في رأسي، كأنّه لم يغادر. ربما لأنّه لم يكن يبحث عن أمّه فقط، بل عن الأمان الذي سُرق منّا جميعًا".

وأضافت: "ما زال الخوف يسكن العيون، وما زال الناس ينامون بآذانٍ نصف مفتوحةٍ لأيّ صوتٍ بعيد. الحرب قد تتوقف على الأرض، لكنّها تظلّ مشتعلةً في القلوب، أما الفقد فلا يُروى. لكنه صار جزءًا من حكايتنا. أتعايش لأنّ من رحلوا كانوا يتمنّون أن نستمر، أن نحيا. أما الخوف، فصار جالسًا معنا على الطاولة، لا يغيب، لكنه لم يعد يقدر أن يمنعنا من الحلم".

 واستطردت قائلة: "أتمنى أن تعود حياتي كما كانت.. أن تعود ضحكة أمي وهي تُعدّ الشاي في الصباح، رائحة الخبز الساخن، وجلسات الجيران قبل الغروب. تفاصيل صغيرة، لكنها كانت تصنع الحياة كلها.. ضاع الكثير: البيت، والراحة، وأناس أحببناهم. لكن ما زال فيّ شيءٌ لا يُقهر: إيماني بأنّ الله معنا، وأنّ وردةً صغيرة يمكن أن تنبت حتى في قلب الركام كفى دمًا، كفى وجعًا.. نحن لسنا أرقامًا في نشرات الأخبار، نحن بشر، لنا وجوه وأسماء وأحلام صغيرة تشبه أحلامكم تمامًا ".

وعن دور مصر قالت: "كنت أتابع أخبار الوساطة المصرية كمن يتمسّك بخيط ضوءٍ في آخر النفق. شعرت أنّ هناك من يسمع وجعنا، من يحاول أن يوقف نزيفنا، فكنت أدعو في قلبي: اللهم اجعل لهم التوفيق والنصرة في سعيهم للسلام.. شكرًا لموقف الرئيس السيسي الذي اختار الإنسان قبل السياسة، وشكرًا للشعب المصري الذي لم يترك وجعنا يتيمًا. وقفتم حيث تراجع الآخرون، وسعيتم لتسكين الألم حين صمت العالم.. لن ننسى وقفتكم، ولا دفء مواقفكم. أنقذتم أرواحًا بكلمةٍ وموقفٍ ودعاء. ستظلّوا في القلب رمزًا للأخوّة التي لا تبيع الدم بالسياسة".

وأنهت "قمر" حديثها قائلة: "أحلم أن أستيقظ على صوت الأذان دون أن يليه انفجار، أن أرى الأطفال يسيرون إلى مدارسهم، لا إلى الملاجئ، وأول شيء سأفعله أنني سأزرع وردةً عند باب البيت. وردة واحدة فقط، لتكون شهادةً على أن الحياة، مهما انكسرت، قادرة على أن تولد من جديد".