رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

أحد أبطال الصاعقة المصرية يروى لـ«الوفد» تفاصيل بطولات المصريين خلف خطوط العدو

العميد مجدى شحاتة: «المهمة بلا عودة» كانت بداية لصفحات مشرقة فى كتاب المجد العسكرى المصري

بوابة الوفد الإلكترونية

«قررت الالتحاق بالحربية لأسترد كرامة بلدى»

كنا نحارب من أجل الكرامة ونعرف أن الموت يحيط بنا 

أبطال الظل: «لولا بدو سيناء، ما استطعنا تنفيذ نصف المهام»

 

فى ذاكرة الشعوب، تبقى الحروب لحظات فارقة تشكل الوعى الوطنى وتعيد رسم ملامح التاريخ. وفى ذاكرة المقاتلين، تصبح تفاصيل هذه الحروب نبضًا لا يغيب، يعيدهم فى كل لحظة إلى خنادق القتال وساحات البطولة. كان من بين هؤلاء الأبطال العميد مجدى شحاتة، أحد رجال الصاعقة الذين خاضوا غمار حرب أكتوبر 1973 فى مهمة وصفها العميد مجدى شحاتة  بـ«المهمة بلا عودة». فى هذا الحوار الخاص بجريدة «الوفد»، يستعيد العميد شحاتة معنا مشاهد من أصعب وأشرس المعارك، ويكشف عن تفاصيل لا تُروى كثيرًا، من خلف خطوط العدو، فى قلب صحراء سيناء. لم يكن العميد مجدى شحاتة مجرد ضابط صاعقة، بل كان شاهدًا حيًا على بطولات لا تعرفها إلا رمال سيناء. «المهمة بلا عودة» لم تكن نهاية المطاف، بل كانت بداية لصفحات مشرقة فى كتاب المجد العسكرى المصرى. هذا الحوار هو محاولة لإنصاف ذاك الجيل، ولتذكيرنا جميعًا بأن الأوطان لا تبنى بالكلمات، بل بالتضحيات.

<  سيادة العميد، كيف كانت بدايتك فى القوات المسلحة؟  

<< كنت فى الثانوية العامة وقت نكسة 5 يونيو 1967. المشهد كان مؤلمًا لكل مصرى، وأنا واحد من هذا الشعب. شعرت بالمهانة والغضب، واتخذت قرارى على الفور: سألتحق بالكلية الحربية، ليس حبًا فى العسكرية فقط، بل لاسترد كرامة بلدى التى سُلبت. وبالفعل تخرجت فى نوفمبر 1969، وانضممت لوحدات الصاعقة مباشرة.

<  متى بدأتم تشعرون أن الحرب باتت وشيكة؟  

<<  كنا قبل الحرب فى مهمة خارج البلاد، تحديدًا فى ليبيا، لكن تم استدعاؤنا قبل الحرب بثلاثة أشهر. مع عودتنا، لاحظنا تصعيدًا كبيرًا فى التدريب. وفى سبتمبر 1973 نُقلت كتيبتنا من الإسكندرية إلى الزعفرانة على البحر الأحمر. كان هذا مؤشرًا واضحًا على أن شيئًا كبيرًا على وشك الحدوث. فعلًا، كنا نشعر بأن لحظة المواجهة اقتربت.

<  ما تفاصيل المهمة التى أوكلت إليكم فى الحرب؟

<< كانت مهمة خاصة جدًا. أنا كنت نقيب وقتها، وقادتى أخبرونا أن مجموعتنا ستتوجه خلف خطوط العدو فى جنوب سيناء. ومهمتنا كانت تنفيذ كمائن وإغارات لتعطيل قوات العدو ومنعها من دعم جبهته فى الشمال. كنا حوالى 40 مقاتلًا، ولا تفصلنا عن أقرب قوات صديقة إلا 200 كيلومتر. معنا إمدادات محدودة تكفى ثلاثة أيام فقط. حتى المشير أحمد إسماعيل وصفنا بـ«المهمة بلا عودة».

< كيف عبرتم إلى سيناء؟

<< عبرنا جوًا على متن طائرات، وكان معنا دليل من بدو سيناء يعرف المنطقة جيدًا. تمركزنا فى وادى فيران، هناك بدأنا تنفيذ عملياتنا. كان الهدف إشغال العدو واستنزافه وإرباك قياداته حتى لا يلتفتوا للجبهة الأمامية على قناة السويس.

< هل تتذكر إحدى الضربات المؤثرة التى نفذتموها؟ 

<< طبعًا. فى 9 أكتوبر، نصبنا كمينًا على الطريق الساحلى بين القاهرة وشرم الشيخ. استهدفنا أتوبيسين تابعين للعدو. كان الهجوم ناجحًا للغاية، والمدرعات التى كانت ترافقهم انسحبت. لم نعرف وقتها من كانوا داخل الأتوبيسات، لكن بعد سنوات، وعبر إشارات التقطتها قوات الحرب الإلكترونية، علمنا أنهم كانوا 65 طيارًا وملاحًا إسرائيليًا. كانت ضربة موجعة جدًا لهم.

< كيف كان رد فعل العدو بعد تلك العملية؟

<< ردّ عنيف جدًا. أرسلوا مروحيات ومدرعات وقوات مظلات. دخلنا فى اشتباك حاد. استشهد عدد من رجالنا، لكننا ألحقنا بهم خسائر كبيرة. بعد الاشتباك، اضطررت للانسحاب سيرًا على الأقدام لمسافة 40 كيلومترًا، أتحرك ليلًا وأختبئ نهارًا بسبب المروحيات التى كانت تمشّط المنطقة.

< كيف كنتم تعيشون فى هذه الظروف؟

<< كانت حياة قاسية بكل معنى الكلمة. بلا طعام تقريبًا، والماء كان يُجلب بعد رحلة تستغرق يومًا كاملًا. ومع ذلك، لم نستسلم. بقينا نقاتل حتى بعد صدور قرار وقف إطلاق النار.

< ما مدى تأثير عملياتكم خلف خطوط العدو؟

<< تأثير كبير جدًا. كنا نشكل ورقة ضغط استراتيجية. المشير أحمد إسماعيل بنفسه استقبلنا بعد عودتنا وقال: «أنتم لا تعرفون ماذا فعلتم». العدو شعر بخطورة وجودنا، لدرجة أنه خلال مفاوضات الكيلو 101، طلب صراحة سحب قوات الصاعقة المصرية من خلف خطوطه كشرط لوقف إطلاق النار. لكن مصر رفضت.

< هل كان هناك من ساعدكم على الأرض؟  

<< نعم، لا يمكن أن أنسى بدو سيناء. هؤلاء الأبطال كانوا يعرفون الصحراء كما يعرف أحدنا بيته. ساعدونا فى التنقل، جلبوا لنا أجهزة راديو من المدنيين لمتابعة الأخبار، أرشدونا للطرق الآمنة. بعضهم دفع حياته ثمنًا لمساعدتنا، ولولاهم لما استطعنا تنفيذ نصف عملياتنا.

< ما الرسالة التى توجهها اليوم للأجيال الجديدة؟  

<< رسالتى بسيطة: لا تنسوا ما فعله جنود هذا الوطن. نحن لم نكن نبحث عن شهرة ولا عن بطولات شخصية، كنا نحارب من أجل الكرامة. كنا نعرف أن الموت يحيط بنا، لكن كنا نؤمن أن تراب هذا الوطن أغلى من حياتنا. فحافظوا عليه، وكونوا أوفياء لتضحيات من سبقوكم.

< كثير من المؤرخين يتحدثون اليوم عن دروس عسكرية واستراتيجية مستفادة من حرب أكتوبر. من وجهة نظرك، ما أهم درس تعلمته أنت، وما الذى تود أن يعرفه الأجيال الصاعدة عن تلك الحرب؟

<< أهم درس هو أن التخطيط الدقيق، التدريب الطويل، الانضباط، الإيمان بالقضية، والعمل الجماعى بين مختلف الأسلحة (البرية، الجوية، الهندسية) هو ما يحقق النصر. لا يكفى أن تكون لديك معدات أو عدد كبير من الجنود، إنما كيف تستعملها، ومتى، وتحت أى قيادة، مع معلومات استخباراتية دقيقة.

الدرس الثانى هو أن روح المقاتل، المعنويات، الانتماء للوطن، التضحية، لها دور لا يقل أهمية عن الأسلحة. كثير من الأبطال صنعوا الفرق ليس بسبب أنهم كانوا الأفضل تسليحًا، بل لأنهم كانوا مؤمنين بأنهم يدافعون عن كرامة وطن.

الدرس الثالث أن الوحدة الوطنية خلف القيادة فى الأزمات أمر ضرورى. عندما يشعر الجنود بأن الوطن كله معهم، أن الشعب يشجعهم، أن القيادة تدعمهم، أن الإعلام ينقل الحقيقة، كل هذا يقوى الجبهة الداخلية ويجعل النصر ممكنًا.

لجيل اليوم، أود أن يعرف أن السلام ليس بالسهل، وأن الانتصار ليس مضمونًا، لكنه ممكن إذا توافرت الإرادة والعزيمة. وأيضًا أن التاريخ يُكتب بالتضحيات التى لا تنسى.