الزاد
فى مثل هذا اليوم — 6 أكتوبر — يحن كل مصرى، وطنى إلى لحظةٍ لا تُمحى من ذاكرة الأمة، عبورٌ فى عز الظهر، جنودنا صائمون، يخطون إلى الضفة الأخرى بقلبٍ واحد وإرادةٍ فولاذية، ليبدءوا فصلًا جديدًا من الكرامة والعزة. يومٌ لا يحتفل بحدث عسكرى فقط، بل يحتفى بروحٍ وطنيةٍ لا تقبل الذل، و جيش شعبٍ قرر أن لا يركع.
ليس النصر مجرد عَلمٍ يُرفع أو خطٍ على خريطة؛ هو تاريخ دوّن بالدم والعرق، هو عهد يُجدد بين المواطن ووطنه. فى هذا الصباح المجيد كانت الرايات تَرفرف، لكن ما يسطر حقًا هو عزيمةٌ بلا هوادة، شبابٌ قرروا أن يهِبوا حياتهم لمصر، وقرّروا أن يعيدوا للمكانة كرامتها. وكانت كلمات الأغنية التى كتبتها نبيلة قنديل ولحنها على إسماعيل، وغناها مجموعةٌ بإنتاج يوسف شاهين، "رايات النصر" مرآةً صادقة لتلك اللحظة — أغانٍ لا تُنسى لأنها تجسد مشاعر الأمة وتُلهم الأجيال.
حين نردد مقاطعها — "رايحين، رايحين شايلين في إيدنا سلاح... حالفين بعهد الله... واهبين حياتنا لمصر" — لا نعيد كلماتٍ فقط، بل نَستعيد قيمةً، التضحية من أجل الكرامة. تلك الجمل ليست خطابًا مجردًا بل ميثاق بين الأجيال، تَحفظه الذاكرة وتُعلّمه الأهل لأبنائهم، وتُغنيه المدارس والميادين.
لا يجب أن نحتفل بهذا اليوم فقط باعتباره رقماً أو مناسبة سنوية، بل علينا أن نقرأه كوَصية. فمعركة أكتوبر علّمتنا أن الانتصار يتعلَّق بالقائد والجنود فحسب، بل يتعلق أيضًا بوحدة الشعب خلف القائد وبالإصرار على استعادة الحقوق. علّمتنا أن الاستعداد والتخطيط والإيمان بالقضية ينتصرون على اليأس.
وإذا كان يوم النصر أن يذكرنا بشيء، فهو يذكرنا بأن السلام لا يأتي من فراغ؛ إنما هو ثمرة قوةٍ تَحمي الحق وتُعزّز الموقف. لذا كان اكتساب الكرامة أسبق من توقيع أي معاهدة، قبل أن نتحدث عن سلام، علينا أن نؤمّن قدرة الوطن على الدفاع عن حقوقه ومصالحه.
فى اليوم الذى نرفع فيه رايات النصر، لنرفع أيضًا رايات الذاكرة، نُكرم الشهداء الذين وهبوا أرواحهم للوطن، ونترك بصمة امتنان للأمهات والآباء الذين وقفوا خلف أولادهم. ولأن النصر تجربة إنسانية عسكريه ، علينا أن نحفظ رواياته ونُسجلها، بالأفلام، بالأغانى، بالكتب، وبالأجيال التى تُعلّم أن الحرية لا تُعطى بل تُؤخذ بالحق والجهد والتضحيات.
ومع مرور السنوات، تبقى رسالة ذلك اليوم واضحة وبسيطة،أن العزة لا تُقاس بالأسلحة وحدها، بل بحقوقٍ تُمارَس، وكرامةٍ تُحفظ، ووطنٍ يظل في قلب أبنائه وطنًا. رايات النصر ليست ورقًا يُلوح به فى الميادين فقط، بل هي عهدٌ يومىٌّ بالمحافظة على الكرامة وباستمرار العمل من أجل وطنٍ أقوى وأعدل.
فى السادس من أكتوبر، لا نحتفل بماضٍ مضى فحسب، بل نستقي منه عزيمتنا لمستقبلٍ نريد أن يكون مشرقًا، مُستقراً، مُكرماً لشهدائه وفرسانه. ولتظل الأغاني التى كتبها الشعراء ولحنها الموسيقيون وتغنى بها القلوب — شاهدةً على أن للأغنية دورًا فى حفظ الذاكرة وترسيخ القيم. رايات النصر ترفرف، ونحن معها — عهدًا بأن تبقى مصر أبية، كريمة، لا تُهزم.