تتداخل المصالح الإقليمية بشكل مُعقد في الساحة السورية، حيث تُمثل سوريا ساحة صراع غير مباشر بين عدة أطراف: روسيا، إيران، الولايات المتحدة، تركيا، وإسرائيل. ورغم أن إسرائيل وتركيا لا تواجهان بعضهما البعض عسكريًا بشكل مباشر، إلَّا أن تعارض مصالحهما المتزايد داخل سوريا يثير تساؤلات جدية: هل تتجه هذه التناقضات نحو مسار تصادمي؟
تسيطر تركيا فعليًا على مساحات واسعة من شمال سوريا، وتديرها عبر فصائل سورية موالية لها، ضمن ما يُعرف بـ"المنطقة الآمنة". تسعي أنقرة لتحويل هذه المساحات إلى مناطق ذات عُمق أمني واستراتيجي دائم يقيها من التهديد الكردي، ويمنحها ورقة تفاوضية سياسية في أي تسوية مستقبلية.
أمًّا من وجهة نظر إسرائيل، فإن هذا التوسع التركي يمنح أنقرة نفوذًا متزايدًا في الملف الفلسطيني والسوري واللبناني، ويُعيد تركيا إلى مشهد المنافسة على زعامة المنطقة. تخشى إسرائيل من "تحالف" جماعات إسلامية مع تركيا في المناطق التي تحكم من قبضتها عليها، كما حدث سابقًا مع بعض المجموعات ذات الطابع الإسلامي، لَمَّا دخل بعضها في صدام مباشر مع إسرائيل في جنوب سوريا مثل (لواء شهداء اليرموك أو جيش خالد بن الوليد) إلى أن تم القضاء عليها عسكريًا في ٢٠٠٨.
تدعم إسرائيل الدروز في سوريا لاعتبارات أمنية واستراتيجية كالأمن القومي وحماية الحدود وتوازن القوي في جنوب سوريا وليس بالضرورة لدوافع أيدولوجية أو قومية. حيث هناك أكثر من ١٤٠ ألف درزي في إسرائيل، يخدم عدد كبير منهم في الجيش، ويُعدون جزءًا من النسيج الأمني والسياسي للدولة. يتمركزون في محافظة السويداء وجبل العرب، وجزء منهم أيضًا في هضبة الجولان السورية المُحتلة. تفضل إسرائيل أن تكون هذه المناطق تحت سيطرة قوى محلية (مثل الدروز) بدلًا من فصائل إسلامية متطرفة أو ميليشيات مدعومة من إيران.
بالمقابل، تهيمن تركيا على الائتلاف السوري المُعارض والفصائل العسكرية، وبالتالي أي تسوية سياسية تقودها أنقرة ستكون بعيدة عن الرؤية الإسرائيلية. وتُمثل أي اتفاقات مُبرمة ضمن هذا المسار تهديدًا إسرائيليًا مباشرًا، لأنها قد تقيّد حريتها في شن ضربات جوية داخل سوريا. هذا التناقض يجعل إسرائيل ترى في تركيا قوة محورية لكنها مثيرة للقلق في تحديد شكل الهوية السورية ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
رغم غياب الصدام المباشر، إلَّا أن هُوَّة المصالح المتعارضة بين تركيا وإسرائيل في سوريا تتسع وتزداد وضوحًا. ترى إسرائيل في تركيا لاعبًا طموحًا يُوَسَّعُ من نفوذه على حدودها الشمالية، ويحظى بشرعية دولية، ويتعامل بمرونة مع خصومها (إيران والفصائل الإسلامية). وفي المقابل، ترى تركيا أن إسرائيل تتدخل بشكل عبثي ومُزعزع للاستقرار في المنطقة. لذا، المسار التصادمي مُحتمل لكنه غير حتمي، ويتوقف على المواءمات السياسية والتسويات السورية المُقبلة، ولعبة صراع النفوذ الإقليمية لكل طرف.