حكم إفشاء الطبيب سر المريض إذا خشي الضرر على الآخرين.. الإفتاء تجيب
المريض.. قالت دار الإفتاء المصرية إن الأصل حرمة إفشاء الطبيب أسرار مرضاه التي اطلع عليها بحكم مهنته ما لم توجد ضرورة تستوجب ذلك، فإن وجدت ضرورة بأن تيقّن وقوع ضرر جسيم يتعدى إلى الغير فيجب عليه إبلاغ السلطات المعنية برفع ذلك، ولا يكون بذلك خائنًا للأمانة التي اؤتمن عليها في حفظ أسرار مرضاه، مع مراعاة ألا يتعدى في الإفشاء إلى غيرهم، وإلا عُد خائنًا للأمانة آثمًا.
كتم أسرار المريض من الأمانات التي يجب حفظها:
وأوضحت الإفتاء أن هناك العديد من القيم التي اشتملت عليها الشريعة الإسلامية ومنها الأمانة، فبها تُصان حقوق الله وحقوق العباد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعرف قبل البعثة بالصادق الأمين، وقد مدح الله عباده المؤمنين وأثنى عليهم بحفظهم الأمانات؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]، ونهى سبحانه وتعالى عن خيانة الأمانة؛ فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
ومفهوم الأمانة يشمل كل ما يتوجب حفظه وأداؤه، فتشمل حفظ الودائع، والأمانة في العمل، وحفظ الأسرار وهي أوكدها وأعظمها.
حكم إفشاء سر المريض
قال الإمام أبو البقاء الكفوي الحنفي في "الكليات" في تعريف الأمانة (ص: 187، ط. مؤسسة الرسالة) [كل ما افترض على العباد فهو أمانة كصلاة وزكاة وصيام وأداء دين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار] اهـ.
والسر هو ما يُخفى ويُكتم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: 7] قال الإمام الطبري في "تفسيره" (16/ 16، ط. دار هجر): [قال ابن زيد في قوله: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ يعلم أسرار العباد، وأخفى سره فلا يُعلم. قال أبو جعفر: وكأن الذين وجهوا ذلك إلى أن السر هو ما حدث به الإنسان غيره سرًّا] اهـ.
المريض
وحفظ سر الغير أمانة واجبة، ثوابها يعدل ثواب ستر العورات؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ...، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه الشيخان.
كما أن إفشاء الأسرار من خيانة الأمانة التي هي من خصال المنافقين؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» متفق عليه.
وإن كانت النصوص ظاهرة في تأكيد حفظ الأمانة، ومنها حفظ سر الغير، إلا أنها تتأكد وتجب عند من يتعرض لأسرار الناس بحكم عمله ووظيفته، كعمل الطبيب وهي الحالة المسؤول عنها، حيث تقتضي مهنته الاطلاع على أحوال المريض عند الفحص والتشخيص.
حكم إفشاء الطبيب سر المريض
وأكدت الإفتاء أنه يجب على الطبيب أن يحافظ على أسرار مرضاه، ويحرم عليه إفشاؤها؛ حيث إن في إفشائها وقوعًا في الغيبة المحرمة؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة الحجرات: 12].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (16/ 337، ط. دار الكتب المصرية): [لا خلاف أنَّ الغيبة من الكبائر، وأنَّ مَن اغتاب أحدًا عليه أن يتوبَ إلى الله عز وجل] اهـ.
وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].