رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

أوراق مسافرة

لم يعد خافياً على أحد أن الكيان الإسرائيلى بلغ مرحلة من التوحش والغطرسة غير مسبوقة سواء داخل الأراضى المحتلة أو فى التعامل مع دول عربية لها سيادتها، توحش وغطرسة يستوجبان من المنطقة العربية التوحد العاجل دون أى إرجاء، يستوجبان منها نبذ أى خلافات جانبية أو أى محفزات سابقة أو حالية للفرقة، فلا يمكن الانتظار لما هو أسوأ للعصف بأمن وسلامة كل المنطقة العربية مستقبلاً والنيل من سيادتها، فقد بات من الواضح أن هذا الكيان الاستعمارى أصيب بالسعار الذى لا يفرق معه بين أراض يحتلها ويطمع فى الاستيلاء عليها كلها للحيلولة دون وجود دولة فلسطينية حقيقية، وبين دول قائمة لها سيادتها ليست فى حرب معه، والأمر فى كلتا الحالتين مرفوض عربياً، فلا قبول لسحق الحق الفلسطينى فى التحرر وقيام دولتهم، ولا قبول التعدى على أى دولة عربية ولا من قبيل اختبار الصبر العربى استناداً إلى منطق الحكمة وضبط النفس. 
سعار هذا الكيان الاستعمارى لا علاج له إلا بالقضاء عليه أو على الأقل سجنه فى قفص محكم لتحجيم تحركاته لإنقاذ المزيد من ضحاياه، سعار يتطلب توافق العرب، وتوحدهم، وتكاتفهم كقوة مترابطة للتصدى وحماية أنفسهم قبل أن يطولهم هذا السعار الذى بات شعاره «لا استثناء لأحد» طالما جوعه وأطماعه تقتضى ذلك. 
أذكر حين كنت فى الابتدائى شأنى شأن الأطفال الأبرياء الحالمين بالمدن الفاضلة ولا يدركون من الدنيا شرورها ولا أحقاد بشرها، كنت أشعر باطمئنان وعزوة غريبة وأنا أذاكر دروس الجغرافيا التى تقول إن الدول العربية يجمعها عدة عوامل طبيعية تجعلها متضامنة ومتكاملة، منها وحدة الدين، الثقافة، اللغة، الأخلاق، الموقع الجغرافى المتميز الذى يتوسط قارات العالم القديمة آسيا وإفريقيا وأوروبا، تقارب المناخ المعتدل، كما يجمعها التاريخ المشترك من طمع المستعمرين بها ومن ثم ثورات التحرر التى لعبت فيها مصر دوراً عظيماً بعد أن تحررت هى نفسها من الاستعمار وساندت الدول الأخرى فى ثورات التحرير، بجانب عوامل أخرى تجمع الدول العربية من قوة الأيدى العاملة، الثروات الطبيعية، الصناعات، الحرف وغيرها ما يجعلها متكاملة فيما بينها. 
كبرت وانتهيت من حفظ الدروس كغيرى من المصريين، لنجد على أرض الواقع درساً آخر لا نجده فى الكتب، درساً قاسياً يعصف بكل أحلامنا الطيبة فى الوحدة والعزوة العربية والتعاون والتكامل، وجدنا دولاً عربية مشتتة، منقسمة إلى شراذم، لا يوحدها شىء ولا حتى المصلحة بعضها مع بعض، وهو الأمر الذى فتح الثغرات بل الأبواب، لمحاولات المستعمر القديم لاختراق العالم العربى فى أشكال استعمار جديد، استعمار ثقافى، أخلاقى، وقبل هذا اقتصادى بنشر الفرقة والإيعاز بالحروب والتطاحن بعد الوقيعة بين الإخوة والأشقاء، ومن ثم تأتى مرحلة ادعاء الحماية، بيع السلاح للعرب بالمليارات لتشغيل مصانع السلاح لدى الغرب، ثم مرحلة الإعمار وإعادة البناء وما يرافقها من استنزاف ثروات الشعوب العربية والتدخل السياسى فى قرارات وسيادة هذه الدول، ولنا فيما حدث بين العراق والكويت درس لا ينساه التاريخ. 
الغريب فى الأمر أن الدول العربية لم تنظر جيداً لما بين يديها من قوة بشرية وثروات طبيعية وعوامل كثيرة تجعلها تسعى بعضها إلى بعض لتتكامل وتتوحد، وتصبح تكتلاً هائلاً له وجوده وقوته ونديته أمام التكتلات الغربية والعالمية التى تشكلت من فراغ، تلك التكتلات العالمية التى شكلتها مصالح الشعوب وبموجبها توحدت دول كانت فيما مضى أشد الأعداء لكنها توافقت، كما حدث فى الاتحاد الأوروبى الذى ضم دولاً أوروبية شرقية وغربية بجانب ألمانيا هذا العدو القديم لهم، ولهذا حديث لاحق، وكان من باب أولى أن يتم منذ عقود إعلان اتحاد عربى يسير على نفس خطوات وتجربة الاتحاد الأوروبى بإعلان سوق عربية مشتركة، ومن ثم اتحاد عربى اقتصادى وسياسى متكامل، واتحاد عسكرى بإنشاء جيش عربى مشترك، وإطلاق عملة عربية موحدة فى نهاية المطاف، ولكن للأسف نجد فى عالمنا العربى نوعاً غريباً من الفرقة والمنافسة بعيداً عن أى توافق أو تكامل، رغم أن تحديات المرحلة العالمية العسكرية، السياسية والاقتصادية أصبحت تقتضى وجود هذا التكتل العربى ليعتد به فى عالم لا يعترف إلا بالقوة، ولا يعتد إلا بالتكتلات الدولية القوية. 
نعم ليس من مصلحة أى دولة عربية فى الوقت الحالى استمرار الخلافات فى الرأى والفرقة فى التوجهات السياسية، ولا حتى التعاون الاقتصادى مع الغرب على حساب التعاون الاقتصادى العربى- العربى، وليس سراً ذكر أن مصر حاولت مراراً وتحاول لم الشمل العربى فى كل المواقف الصعبة التى مثلت تحديات حساسة لإثبات الوجود العربى أمام العالم، ليس بخافٍ على أحد أن مصر دعت إلى توحد الموقف العربى من أجل الحق الفلسطينى، ودعت إلى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة يكون لها حق التحرك والتدخل السريع لوقف اى تهديدات أو اعتداءات على أى بلد عربى بما يشبه القوة العسكرية لحلف شمال الأطلنطى، والذى ينص فى ميثاقه بأن الاعتداء على دولة من الحلف يمثل اعتداء على كل دول الحلف، بما يعنى تحرك قوة الحلف قاطبة للرد على هذا الاعتداء، وقدر مصر منذ بداية التاريخ أن تتحمل الأصعب فى الملفات العربية، وأن تضحى بالكثير مما تملك من أجل ضمان أمن المنطقة واستقرارها، ولكن هذا يقتضى بالتبعية التكاتف والتعاون من كل دول المنطقة، لأن مصر لم تبحث يوماً عن مصلحة خالصة لها على حساب الأشقاء العرب، بل كل جهودها الخارجية والداخلية لا تتم إلا وهى تضع نصب عينيها المصلحة العربية شاملة، والتاريخ القديم والحديث يؤكد هذا، عندما تحررت مصر من المستعمر الإنجليزى بادرت بمساعدة ومساندة الدول العربية بل الإفريقية فى حركات التحرر ضد المستعمر، وهذا ليس منة من مصر، بل تم من منطلق الشعور بالمسئولية تجاه الأشقاء والإخوة عرب وأفارقة...

وللحديث بقية
[email protected]